القدس بين الوعد الحق .. والوعد المفترى

البداية

الجزء الرابع من المحاضرة :

السفارة النصرانية الدولية : وهناك جماعة أخرى أصولية إنجيلية تؤمن بحرفية التوراة والإنجيل وتعطي اليهود الوعد الذي يفترونه على الله، هذه الجماعة تسمى (( السفارة المسيحية الدولية )) وتعتقد هذا الجمـاعة أن اللّه وحده هو الذي أنشأ هذه (( السفارة )) ومقرها في القدس وتنتشر فروعها في جميع أنحـاء العالم، ويقول مؤسس هذه الطائفة : (( إننا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهـم؛ لأن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى باهتمام اللّه، وإن اللّه قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد )) وتؤمن هذه المنظمة بأنـه إذا لم تبق (( إسرائيل )) فإنه لا مكان للمسيح عند مجيئه الثاني. ولا تكتفي هذه المنظمة بدعم إسرائيل، بل تدعم سياستها التوسعية وتعتبر أن الضفة الغربية والقطاع حقوق أعطاها الرب للشعب اليهودي. وهذه المنظمة التي تعتبـر من أخطر المنظمات في أمريكـا والعالم كله كانت لها سبعة أهداف : الهدف الأخير منها هو تنصـير اليهود في أرض فلسطين، أي أن يؤمنوا بعودة المسيـح ويتنصروا تقدمة لمجيئه ولكن اليهود استطاعوا إلغاء هذه النقطة فبقيت النقاط الست الأولى في هذا البرنامج؛ ولنقرأ هذه النقاط :

أولاً : إبداء الاهتمام البالغ بالشعب اليهودي وبدولة (( إسرائيل )).

ثانيًا : تذكير وتشجيع (( المسيحيين )) للصلاة من أجل القدس وأرض (( إسرائيل )).

ثالثًا : تعليم (( المسيحيين )) في أنحاء العالم وتثقيفهم في كل ما يجري (( بإسرائيل )).

رابعًا : حث القيادات (( المسيحية )) والكنائس والمنظمات الدينية على ممارسة النفوذ المؤثر في بلادها لمصلحة (( إسرائيل )) والشعب اليهودي.

خامسًا : إنشاء أو مساعدة مشروعات في ((إسرائيل )) لتحقيق رفاهية اليهود.

سادسًا : ممارسة نفوذ وفاقي بين العرب واليهود.

وحذفوا السابعة !!

بـال الثانيـة : والآن نضرب مثلاً واحدًا من أعمـال هذه المنظمة الأخطبوطية المنتشرة في جميع أنحاء العالم : تعرفون أنه في مدينة بال بسويسـرا انعقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي حضره هرتزل عام 1897 م، وأرادت هذه المنظمة عن عمـد وإصرار أن تقيم مؤتمرًا لها في المدينة نفسها ولكنه للصهيونية الإنجيلية الأصولية وليست اليهودية، وقد أقـاموه بـالفعل في هذه المدينة عام 1985م، وقـالوا في إعلان هذا المؤتمر: (( نحن الوفود المجـتمعين هنا من دول مختلفة وممثلي كنائس مـتنوعة بهذه القاعة الصغيرة نفسها التي اجتمع بها منذ ثمانية وثمانين عامًا مضت الدكتور تيودور هرتزل ومعه وفود المؤتمر الصهيوني الأول الذي وضع اللبنة الأولى لإعادة ميلاد دولة (( إسرائيل )) جئنا معًا للصلاة ولإرضاء الرب ولكي نعبر عن ديننا الكبير وشرفنا العظيم (( بإسرائيل )) الشعب والأرض والعقيدة، ولكي نعبر عن التضامن معـها، وإننا ندرك اليوم بعد المعاناة المريرة التي تعرض لها اليهود أنهم ما زالوا بواجهون قوى حاقدة ومدمرة مثل تلك التي تعرضوا لها في الماضي، وإننا كمسيحيين ندرك أن الكنيسة أيضًا لم تنصف اليهود طوال تاريخ معاناتهم واضطهادهم، إننا نتوحد اليوم في أوروبا بعد مرور أربعين عامًا على اضطهاد اليهود لكي نعبر عن تأييدنا (( إسرائيل )) و نتحدث عن الدولة التي تم إعداد ميلادها هنا في بال، إننا نقول ذلك أبدًا، ولا رجـعـة للقوى التي يمكن أن تتقدم لاستـرجـاع أو تكرار اضطهادات جديدة ضد الشعب اليهودي )). وقالوا أيضًا : (( إننا نهنئ دولة (( إسرائيل )) ومواطنيها على الإنجازات العديدة التي تحققت في فترة وجيزة تقل عن أربعة عقود، إننا نحضكم على أن تكونوا أقوياء في الله وعلى أن تستلهموا فطرته في مواجهة ما يعترضكم من عقبات، لأننا نناشدكم بحب أن تحاولوا تحقيق العديد مما تصبون إليه، وعليكم أن تدركـوا أن يد الله وحدها هي التي ساعدتكم على استعادة الأرض وجمعتكم من منفاكم طبقًا للنبوءات التي وردت في النصوص المقدسة، وأخيرًا فإننا ندعو كافة اليهود في جميع أنحاء المعمورة بالهجرة إلى (( إسرائيل )) كما ندعو كل مسيحي أن يشجع ويدعم أصدقاءه اليهود في كل خطواتهم الحرة التي يستلهمونها من الله )).

نرجو أن تتذكر أن هذا المؤتمر كله نصارى، فلا توهمنا هذه النصوص فنظن أن المؤتمر للأصولية الصهيونية. ولننظر مـاذا قرر هذا المؤتمر، هل كـانت قراراته متعلقة بالنصارى وشؤونهم الدينية؟ لنقرأ أهم القرارات :

أولا : عدم تقديم تنازلات من الغرب إلى الاتحاد السوفيتي طالما أنه لا يسمح بهجرة اليهود منه إلى دولة (( إسرائيل )) وهذا كما تعلمون طبق تماما.

ثانيًا : تشجـيع (( إسرائيل )) ومواطنيـها على المشاركة الكاملة في كل الهيئات والمؤسسات الدولية، والمطالبة بانسحاب جـميع الدول الأوروبية والأمريكية من أي اجتماع يعقد ولا تمثل فيه (( إسرائيل )) ( وهذا القرار وضع لأن العرب يهددون أحيانًا بالانسحاب فتضطر الدول لمجاراة العرب لأنهم أكثرية).

ثالثًا : على كل الأمم الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها. ونخص بالذكر حكومة (( الفاتيكان )). قد تقولون لماذا يخصونها؟ فأقول : لأن الفاتيكان هي عاصـمة الكاثوليك، و الكاثوليك لا يؤمنون هذا الإيمان العميق للبروتستانت (( بإسرائيل )) وهذا يعني أن المسلمين لو تحركوا يستطيعون استخدام عنصرين مهمين استخـدامًا جيدا، العنصر الأول الكاثوليك، والعنصـر الثاني اليهود المنشقون غير المؤيدين ل (( إسرائيل )) ولا سيما في أمريكا حيث يوجـد ثلاثة ملايين يهودي غير مؤمنين بدولة (( إسرائيل )) ومنهم كتاب وأدباء ومفكرون يهاجمون دولة (( إسرائيل )) ولكن لا أحد يجيد استخدامهم أو الإفادة منهم.

رابعًا : يعلن المؤتمر أن يهودا والسامرة بحق التوراة والقانون الدولي وبحكم الواقع جزء من (( إسرائيل )).

خامـسًا : نطالب كل الأمم بالاعتراف بالقـدس عاصمة أبدية موحدة (( إسرائيل )) وتنقل سفاراتها من تل أبيب إليها.

سادسًا : مطالبة الدول الصديقة (( إسرائيل )) بالتوقف عن تزويد أية دولة في حالة حرب مع إسرائيل بالأسلحـة بما في ذلك مصر التي وقعت معها اتفاقية كامب ديفيد.

سابعًا : مطالبة كل الحكومات بنبذ منظمة التحرير الفلسطينية واعتبارها منظمة إرهابية، وتأتي هذه المطالبة تنفيذًا لما ورد في التوراة حول أن الله يبارك من يبارك اليهود، ويلعن من يلعنهم.

ثامنًا : إدانة كل أشكال معاداة السامية، وهي عداء (( إسرائيل ))واليهود.

تاسعًا : الدعوة لتذكر كل الفظائع التي ارتكبتها ما تسمى بالحضارة المسيحية ومن يسمون المسيحيين ولا سيما المذابح التي قامت في الحرب العالمية الثانية. أي أنهم يرون أن كل من وقف في وجه اليهود من النصارى ليـسوا نصارى حقيقيين.

عاشرًا : العمل نحو توطين اللاجئين العرب الذين تركوا (( إسرائيل )) عام 1948 في البلدان التي رحلوا إليها.

حادي عشر : مساعدة (( إسرائيل )) اقتصاديًا وذلك بإنشاء صندوق دولي برأسمال قدره مائة مليون دولار للاستعمار في تطويرها. وبالفعل ما انتهى المؤتمر إلا وجـمع مائة مليون دولار إضافة إلى المساعدات التي تجمع باستمرار لمساعدة (( إسرائيل )) وضمن ذلك يقومون بتشجيع الاستعمار الخاص في (( إسرائيل )).

ثاني عشر : مطالبة كل المسيحيين وكل الأمم بعدم الخضوع لأنظمة المقاطعة العربية (( إسرائيل )). وبالطبع -ستتوقف المقاطعة وتنتهي بعد مدريد مع أنها أصلاً ما كانت إلا شكلية في أغلب الأحيان .

ثالث عشر: دعوة مجلس الكنائس العالمي في جنيف إلى الاعتراف بالصلة التوراتية التي تربط بين الشعب اليهودي وبين أرضه الموعودة، وكذلك بالبعد التوراتي والنبوئي لدولة (( إسرائيل )). ويعني هذا أن العقيدة التي قامت عليها دولة (( إسرائيل )) عقيدة إيمانية يجب على مجلس الكنائس أن يعترف بها.

رابع عشر: يصلي أعضاء المؤتمر وينظرون بشوق إلى اليوم الذي تصبح فيه القدس مركزًا لاهتمام الإنسانية حينما تصير مملكة الرب حقيقة وواقعًا ( عن السفارة النصرانية وهذا المؤتمر: انظر البعد الديني ص 14 والنبوءة والسياسة ص 113 وقد حضرت المؤلفة المؤتمر وشرحت ما دار فيه عن مشاهدة ). ومملكة الرب يفهمها النصارى على أنها مملكة المسيح ابن مريم بناء على ما عندهم. أما اليهود فيفهمونها على أنها مملكة المسيح الدجال كما تقدم. وهنا لا بد أن أؤكـد أن الـذين يؤمنون بهذا الوعـد التوراتي هم المؤمنون بالمسيح الدجـال، وبالتالي فكل من يعتقد أو يوافق على مشروع إسـرائيل آمنة مطمئنة فإنه شاء أم أبى، علم أو لم يعلم، يعمل لإنشاء مملكة المسيح الدجال هذه، ويسعى لتحقيق النبوءة التوراتية التي يدعيها هؤلاء، ويخـدم راضيًا أم غير راض، يعلم أو لا يعلم، هذه الأهداف الصهيونية التي يؤمن بها هؤلاء الأصوليون مع أولئك اليهود. وها هنا مفرق الطريق بين الإسلاميين وبين اللاهثين وراء سراب مدريد وغير مدريد. فلا حرج ولا تردد في الإجابة القاطعة الواضحة عن سؤال : ما هو موقف الإسلاميين من مؤتمر السلام؟ فهو الرفض الحاسم والانهيار الجازم ليس عنادًا ولا تصلبًا ولكنه موقف عقدي محتوم. وإذا كان التوراتيون من اليهود والأصوليون من النصارى لم يترددوا في إعلان رفضهم لفكـرة السلام رفضًا مطـلقًا منذ ما كان يسمى (مشروع جنيف ) وسنذكر كلامهم في ذلك فان الذين يملكون وعد الله الحق وكلمته الخالدة وخبره الصادق أولى بهذا وأحق.

رفض مشترك : قد وردت تساؤلات غربية وعربية عن سر التقاء (( الأصوليين )) هنا وهناك على رفض مشروع السلام؟ والجواب مع الاعتراض على هذه التسمية الماكرة (بالنسبة للمسلمين ) أن نقطة الالتقاء هي أن كُلاًّ مِنَّا يؤمن بوعد من الله وفق عقيدته ... فنحن نؤمن بوعد الله الحق ... وهم يؤمنون بوعد مفترى مكذوب على الله تعالى ... والوعدان لا يجتمعان أبدًا. والفرق أننا بحـمد الله نستند في وعدنا إلى كلام الله وكـلام رسوله صلى الله عليه وسلم وحقائق الواقع. ولعلي هنا أشير إلى بعض بشائر هذا الوعد الحق ثم أنتقل إلى إتمام الكلام عن هؤلاء ( عن حقيقة الوعد الإلهي لبني إسرائيل أوصى بقراءة كتاب الخلفية التوراتية للمؤلف الأمريكي من ص 59 ، فقد فند هذا الزعم والافتراء وبين من كلام أهل الكتـاب وغيرهم أن ما جاء في الكتب السابقة يصدق على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ).

الجزء الثالث

الجزء الخامس

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م