القدس بين الوعد الحق .. والوعد المفترى

البداية

الجزء الخامس من المحاضرة :

الوعد الحق : نحن في كل ركعة من صلاتنا نقرأ الفاتحة ونقرأ فيها كلام الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } الفاتحة فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، إذن فنحن في كل ركعة نقرأ مالازمه ومفهومه أن الوعد الذي يزعمه هؤلاء منسوخ وباطل ومفترى، وإنه إذا كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أعطى وعدًا فإن هذا الوعد هو وعد الله تعالى لهذه الأمة الموحدة الأمـة التي يباركـها الله تعالى كثـيرًا ويكثر عددها وتدخل في جميع الشعوب والقبائل كما ذكـرت التوراة : ليست إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنهم العرب من ذرية إسماعيل صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا في جميع الشعوب، تجد العرب الآن بين الهنود، والأفغان، الأوروبيين، بين البربر، في الحبشة ... في كل مكان ... وهذا هو الشعب الذي دخل في جميع الشعوب، وهذا هو الشعب الذي كثره الله وباركه وله هو أعطيت هذه الأرض كما في التوراة نفسها وقد روى الإمام أحمد والترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسـماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم " ( الحديث ما عدا الجملة الأولى منه في صحيح مسلم أول كتاب الفضائل ، و هذه الجملة صحيحة المعنى إن لم يصح سندها وذلك بنص القرآن على أن إسماعيل هو شريك أبيه في بناء البيت وبدلالته - التي حققها العلماء - على أنه هو الذبيح (وانظر كتاب الفضائل من المستدرك ) وكون كنانة من ذريته بنص لفظ مسلم الصحيح فاصطفاؤها دليل على اصطفائه ) ويدخل في ذلك كل الآيات والأحاديث المبشرة ( وسنذكر بعضها وقد جمع طائفة منها فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله في أول السلسلة الصحيحة ) بظهور الإسلام وتمكينه أما اليهود فوعد الله تعالى فيهم واضح جلى كما قال الله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)} الأعراف ( قال ابن كثير رحمه الله : تأذن : تفعل ، من الأذان ، أي أعلم ، قاله مجاهد ، وقال غيره : أمر، وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة ولهذا أتبعت باللام في قوله { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } أي على اليهود {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} ... ثم فسر ذلك تاريخيا فقال : (( ويقال إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج ... ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، ثم صاروا إلى قهر النصارى وإذلالهم إياهم وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثم جاء الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية .. )) إلى أن قال : (( قلت : ثم آخر أمرهم أن يخرجوا أنصارًا للدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم عليه السلام وذلك آخر الزمان )). طبعة الحلي 259/2. هذا وعد الله لن يخلفه أبدًا ... والذين يوافقون على ما جـاء في مدريد وغيره يقفون ضد ما جاء ني هذه الآية، فوعد الله تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب؛ هتلر جزء من هذا الوعد! منظمات التحرير جزء منه! الجهاد القائم الآن في الأرض المحتلة جزء منه! وسوف تنتهي هذه كلها بتدمير اليهود، كما قال الله تعالى : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ } آل عمران : 112 إن الذلة والمسكنة مضروبة عليهم إلا في حالات عارضة بحبل من الله وحبل من الناس، حالات استثنائية يعطون فيها، فإذا أعطوا وتمكنوا ترجع سنة الله. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(7)عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } الإسراء : 7 ، 8 فإن عدتم عدنا : في أي مرحـلة يعودون سيعود عقاب اللّه تعالى.

ولهذا بشر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله " ( الحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ورواه الإمام أحمد عن سمرة ) هذا والله سيقع وسيكون لأن الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا فقط بل نحن نؤمن بأن المسيح عليه السلام سينزل بإذن الله تعالى كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث متواترة، وإذا نزل المسيح عليه السلام فإنه يقتل اليهود والنصارى، وأول من يقتله المسيح عليه السلام هو ملك اليهود - المسيح الدجال - يقتله في باب اللد في أرض فلسطين كما في الحديث الصحيح ( سبقت الإحالة إلى كتاب أشراط الساعة وفيه تفصيل هذا )، ثم بعد ذلك لا يرضى ولا يقبل عيسى عليه السلام إلا الإسـلام، أو القتل : (( يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرفع الجزية )) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كما في صحيح مسلم أول باب نزول عيسى عليه السلام )، فلن يبقى أمام النصارى إلا أن يسلموا أو يقتلوا بسيف ويد المسيح عيسى عليه السلام، ومن معه من المسلمين ... وكل الأحاديث الواردة في عيسى عليه السلام تكذب ما يقولونه في مدريد وفي غير مدريد، وكذلك كل الأحـاديث الواردة في خروج المهـدي آخر الزمان تكذب ذلك لأن المسلـمين هم الذين يقاتلون أعداءهم تحت قيادة المهدي ثم ينزل عيسى عليه السلام فيكمل المعركـة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وإمامكم منكم )) ( رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وبمعناه عن جابر عند مسلم - الموضع السابق ذكر ) فيصلى عيسى عليه السلام خلف المهدي إعلامًا وإيذانًا بأن عيسى عليه السلام ما جاء بشرع جديد وإنما هو تابع لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا يصلي خلف المهدي ويقاتل مع المسلمين.

منطقة فتن وملاحم لا منطقة سلام : كذلك فإن كل الأحاديث الصحيحة الكثيرة الواردة في الفتن والملاحم تشير إلى أن هذه المنطقة - التي يقولون إن النظام الدولي الجديد سيجعلها منطقة أمن وسلام ستكون منطقة فتن وملاحم ودماء ... ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا تقوم الساعة إلا ويقاتلكم الروم وينزلون في الأعماق )) وفي رواية أخرى : (( حتى تنزل الروم بدابق )) ومنطقة الشام هذه منطقة المعركة، الساحة الكبرى للمعارك الكبرى، وفيها أيضا تكون معارك المسلمين التي هي مقدمة لفتح القسطنطينية، ومقدمة لفتح روما - المدينة التي جزء منها في البر وجزء في البحر- بإذن الله تعالى ... الحديث طويل رواه مسلم في كتاب الفتن عن أبي هريرة ونحوه حديث ابن مسعود وكلاهما اشتمل على ما أجملنا أعلاه كما في حديث أبي الدرداء (( إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة في أرض بالغوطة في مدينة يقال لها دمشق .. )) صحيح الجامع (218/2). وكل الأحاديث التي وردت في فضائل بلاد الشام وذكرها شيخ الإسلام وعلق عليها كثيرا وذكرت أن بلاد الشام تكون آخر الزمان هي معقل المسلمين وموئل هذه الأمة وأن المسلمين يقاتلون الروم فيها - هذه الأحاديث كثيرة ويضيق المقام عن ذكرها - تكذب هذا الكلام الذي قرأناه وسمعناه، سواء في التوراة المحرفة، أو فيما قاله زعماء أمريكا أو ما قاله الأصوليون الإنجيليون، أو كل ما يقوله أعداء الله تبارك وتعالى. لقد قال بوش في مؤتمر مدريد: (( إن غرض المؤتمر ليس إنهاء الحرب بين الطرفين وإنما إنهاء العداوة )) ولكن الله تعالى يكذب هذا القول وهذه الدعوى، فسيظل المسلمون يعادونهم {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } (محمد: 38 ) وقد سمعتم الآيات التي قرأها الإمام قبل قليل فبعد قول الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (المائدة : 51) جاء في الآيات التي تليها قول الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (المائدة : 54).

الرد والارتداد : إذا تركنا الجهاد في هذه المرحلة وآمنا بأن العداوة قد انتهت فنحن ينطبق علينا الارتداد عما أمر الله تبارك وتعالى به وسوف يأتي الله بقوم آخرين هذه صفاتهم وهذه هي أحوالهم. ونقرأ قول الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ } (النور: 55)، هذا وعد من الله تعالى للمؤمنين بالاستخلاف وقد قال الله تبارك وتعالى أيضا { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ(105) } ( الأنبياء )، وغير ذلك من البشائر بأن هذا الدين يبلغ ما بلغ الليل والنهار، بشائر كثيرة كلها تؤكد الوعد الحق وتدحض وتدفع الوعد المفترى والباطل، { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء : 18 ).

أقول مع ذلك : اسمعوا ماذا يقول دعاة الأصولية الإنجيلية. يقول بات روبرتسون : (( كنت أتمنى أن أستطيع القول أننا سنحصل على السلام ولكني أؤمن بأن معركة هرمجدون -مقبلة - إن هرمجدون قادمة وسيصب غمارها في وادي فريدون، إنها قائمة، إنهم يستطيعون أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، إن ذلك لن يحقق شيئًا، هناك أيام سوداء قاتمة )) ويضيف : (( إنني لا أخطط لولوج جهنم قادمة إن الله سوف يهبط من عليائه يا إلهي إنني سعيد من أجل ذلك إنه قادم ثانية )) - النبوءة والسياسة : 37 ويحتمل أن يكون من كلام جيمي سواغارت، ولا فرق.- تلاق . . ولكن ! أرأيتم كيف نتشابه معهم في الموقف الرافض لمدريد وما بعدها، نحن نقول مهما وقعوا فالمعركة قانمة وهم يقولون كذلك، ولنر من هو صاحب الوعد الحق وصاحب الوعد المفترى. { قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى (35)} (طه). ويقول صنوه (( جيري فولويل )) : (( إن النوايا السليمة هي أعمال غبية )) ويقول : (( إنه لا يحق " لإسرائيل " أن تتنازل عن شيء من أرض فلسطين لأنها أرض التوراة التي وعد الله بها شعبه )). ويقول أصولي إنجيلي آخر هو دوغلاس كريكر من جملة تحذيره لدولة (( إسرائيل )) من اختيار المنهج السلمي : (( إن الأصوليين الإنجيليين مثل اليهود والأرثوذوكس مغرمون بالأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته وإن (( إسرائيل )) تستطيع أن تستعمل الإنجيليين الأصوليين لتعكس من خلال شبكاتهم الإذاعية والتلفازية صور (( إسرائيل )) التي يريدها ويتقبلها الأمريكيون، وذلك من خلال نشر فكرة أن الله يريد (( إسرائيل )) عسكرية ومسلحة، وإنه كلما أصبحت (( إسرائيل )) عسكرية أكثر فإن اليمين الديني في الولايات المتحدة يؤيدها أكثر ويصبح متعلقا بها أكثر )) -( المصدر الأسبق ص 155 )- يعني أن اليمين الديني الأمريكي يحب إسرائيل بقدر رفضها للسلام لأنهم يرفضونه بطبيعة الحال. ويقول جيم روبيسون وهو إنجيلي أصولي ومتمكن جدا في الحكومة الأمريكية حتى أن ريجان دعاه ذات مرة ليفتتح احتفال الحزب الجمهوري بصلاة. يقول : (( لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح )) والمسلمون يوافقون على هذه العبارة من منطلق ومعنى آخر، ويضيف : (( إن أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هرطقة )) -( المصدر السابق : ص ه 3 )- أي زندقة وكفر ويضيف : (( إن كل من يؤمن بالسلام فهو ضد كلمة الله ، ضد المسيح )). ولهذا تقول مؤلفة كتاب (النبوءة والسياسة) : (( إن الأربعين مليون إنجيلي أصولي يؤمنون بقوة أن الله نفسه يريد أن تحصل (( إسرائيل )) على أي جزء من الأراضي العربية وعلى كل الأراضي العربية التي تتمكن من مصادرتها )) وكما يقولون : (( إننا نحن المسيحيين نؤخر وصول المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأراضي )). ولهذا يفتتح اليهود مزيدا من المستوطنات الجديدة في الضفة والجولان حتى إبان انعقاد المؤتمر، ومن ورائهم الأصوليون الإنجيليون في أمريكا الذين يقولون : (( إن أي أحد يعترض على شيء من ذلك - أي على استحداث المستوطنات - إنما يؤخر عودة المسيح أو يساهم في هذا التأخير.

القوانين الدولية : مبادىء براقة : وقد وجه أحد الزعماء الأصوليين نداء إلى اليهود يقول فيه : (( إنه لا يجوز أن يبقى اليهود أوفياء إلى هذه المبادئ البراقة (( القوانين الدولية )) إذ أنه على (( إسرائيل )) أن تكسر من وقت لآخر القوانين الدولية، وأن تقرر بنفسها ما هو قانوني وما هو أخلاقي، وذلك على قاعدة واحدة هي ما هو جيد لليهود، وما هو في مصلحة اليهود )). فما هو جيد لليهود أخلاقي وقانوني وشرعي -( انظر ص 176) - وإذا كانت الشرعية الدولية ضد بناء مستوطنات لليهود وضد مصلحة اليهود فلا شرعية ولا دولية، اضربوا بهذا عرض الحائط. ولذلك يقول أحد معارضي حكومة شامير وعضو جمعية حقوق الإنسان وهو إسرائيل شاهاك : إن اليمين المسيحي الجديد يبرر أي عمل عسكري أو إجرامي نقوم به (( إسرائيل )) وبالتالي فهو يؤيد هذه الأعمال.

نتائج المؤتمر وأهدافه : بقيت قضية مهمة لا بد أن نأتي عليها، وهي تتكون من شقين. الشق الأول : ما هي النتائج المتوقعة لما يسمى مشروع السلام الحالي؟ وبالتالي : ماذا يراد بهذه المنطقة عندما تدفع إلى الإيمان بالوعد المفترى وتكفر بالوعد الحق من الله تبارك وتعالى؟ والشق الثاني الحلول والمقترحات : أقول : إن الأهداف كثيرة والنتائج خطيرة، وأرجو ألا تستغرقنا جزئيات وتفاصيل هذه الأحداث فننسى هذه الأهداف البعيدة. وما سأذكره لكم ليس كل الأهداف وإنما هو مؤشرات جمعت من خلال البيانات التي أصدروها في كتبهم قديمًا وحديثًا.

أولاً : يريدون القضاء على الجهاد الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، وهو الذي يسمى الانتفاضة، بعد السلام لا يعود المجاهدون الفلسطينيون مدافعين عن بلادهم المحتلة وإنما يكونون مواطنين يحاربون دولتهم وبالتالي فلا شرعية لأي عمل يعملونه، ومن حق أية دولة أن تقمع رعاياها إذا خرجوا على قانونها كما هو مقرر في القانون الدولي! وهذا هدف كبير لأن أخطر ما تخافه (( إسرائيل )) الآن هم هؤلاء المجاهدون - مجاهدي الانتفاضة - فالدول العربية ليست مهددا (( لإسرائيل )) وهي تعلم ذلك، ولكن الخوف من هذا الوعي الإسلامي المتنامي داخل الأرض المحتلة وخارجها ( بعد إعلان اتفاتهم مع القيادة الخائنة وتوقيع الملاحق السرية ظهر أن أمر أخبث مما يتصور المرء فالفلسطينيون التابعون للمنظمة سيصبحون أداة قمع للسلمين وجهاز أمن لليهود، انظر التفصيل في أعداد مجلتي (( المجتمع )) و (( البيان )) !! ).

ثانيًا : يريدون بهذا السلام العام بين العرب واليهود التضييق على الدعوة الإسلامية وضرب الحركة الإسلامية في كل مكان، فربما يهدفون إلى ضربها ضربات قوية في كل مكان من المغرب حتى إندونيسيا ( كذلك بعد الاتفاق الأخير تعرضت الدعوة الإسلامية لما هو معلوم وشمل ذلك من موريتانيا حتى الفلبين مرورا بدول الخليج ) كما عبر نيكسون.

ثالثًا : تدمير القوة العربية المحيطة (( بإسرائيل )) على الرغم من أنها حاليا لا تشكل خطرا عليهم، وقد دمر العراق وسوف تكون الخطوة الثانية تدمير الجيش السوري، وذلك لأن الجيش السوري يملك بعض القوة والتدرب والممارسة والخبرة، وسيشكل خطرا على اليهود فيما لو خلف الإسلاميون السلطة الحالية، وربما كان تدميره بتسريحه بأيدي الحكومة البعثية الباطنية كما فعل السادات في مصر.

رابعا : إخضاع المنطقة للرهبة اليهودية العسكرية وفرض الحماية الأمريكية على المنطقة ومنع تطوير أي جيش من جيوش المنطقة، وإنما يراد بقاء الجيوش للمحافظة على الأمن الداخلي فقط، ومبرراتهم أنه في ظل النظام الدولي الجديد ما الحاجة إلى أن تطور جيشًا؟! أتريد أن تستخدمه في العدوان كما فعل صدام؟! إذا كنت تريد الأمن والحدود فإن النظام الدولي يكفل لك ذلك! ولكن لا مانع من أن تكون هناك قوات للأمن الداخلي ولا تفكر في حالة اعتداء على الجيران. وهذا هو الهدف الذي من أجله خططوا لسيناريو احتلال الكويت وحرب الخليج وثبتوه وأصلوه حتى أصبح قاعدة راسخة عند شعوب المنطقة.

خامسا : تغيير المناهج الإعلامية والتعليمية لمحو كل ما يثير العداء نحو اليهود وهذا خطير جدا وقد أعلنه شامير في /المؤتمر - (( مؤتمر مدريد )) - حيث قال : لا بد من تغيير ثقافتكم العدائية نحو اليهود، فعلى مراحل تنتهي كل شعارات العداء لليهود؟ بل ينتهي حتى كل ما يثير العداء دينيًّا! وقد عمل بهذا في مصر وغيرت المناهج وحذفت معارك اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم وحذفت الإشارات إلى عداواتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في المناهج والتعليم، حتى أن بعض مفسري التلفاز يتجنبون الحديث عن آيات اليهود، يتجاوزونها وينتقلون إلى ما بعدها ... وهذا ما يريدونه في المنطقة عموما، وكذلك في مناهج التعليم تغيير كل حيثيات القضية، وإن كانت مع الأسف درست لنا من منظور قومي (العرب واليهود)، لا شيء إسلاميا فيها بينما في أمريكا تدرسها عشرون ألف مدرسة على أنها قضية دينية توراتيه !!

سادسا : فرض السيطرة المالية الاقتصادية اليهودية على المنطقة كلها وماذا يساوي اقتصادنا مقابلة باقتصاد الغرب. سيطر اليهود على الاقتصاد الغربي عن طريق الربا والبنوك الربوية، فكيف إذا انطلقت أيديهم في منطقتنا! سوف يتحكمون في سنوات قلائل في كل الدورة الاقتصادية لدول المنطقة جميعها.

سابعا : اجتياح المنطقة بالثقافة اليهودية والنصرانية، ويصحب ذلك حملات تنصيرية، فقد رفع النصارى رؤوسهم وبدأوا يقولون إن أحداث الخليج هيأت لنا الفرصة لإدخال الدين المسيحي في مناطق لم نكن نحلم أن ندخله فيها من قبل، والتبشير علني والكنائس علنية ومؤيدة علنا في بعض دول المنطقة. فهذه البلاد المقدسة محاطة بالتنصير من كل جانب. كما نتوقع حملات تشويه للإسلام في كل المستويات لأنهم يملكون هذه الآلة الإعلامية الضخمة، وستعينهم الصحافة العربية على هذا الهدف بتشويه صورة الدعاة وتشويه التاريخ الإسلامي، كل هذا وارد ومتوقع وإن كان سينفذ بنوع من البطء والتؤدة.

ثامنا : نهب ثروات المنطقة النفطية والمائية وتسخيرها لليهود والأمريكان، فقد قالوا لا بد من حربين، حرب النفط وحرب المياه، وإن كانوا قد فرغوا من حرب النفط فالحرب الأخرى المنتظرة هي حرب المياه، يريدون أن ينتزعوا مياه الفرات ومياه العاصي ومياه الليطاني ومياه نهر الأردن، وحتى النيل يسحبون مياهه عبر قنوات من تحت القناة إلى أرض فلسطين، والمياه الجوفية في شمال الجزيرة العربية، كل ذلك لبناء المستوطنات، ولذلك يشيرون إلى أن الحرب القادمة ستكون حرب مياه، قد تفتعل معركة بين تركيا وسورية مثلا، فتكون قضية يضطر معها الأمريكان للتدخل العسكري فتحل الحرب مشكلة الجيش السوري من جهة ومشكلة المياه من جهة أخرى، وتركيا بالطبع عضو في حلف الناتو والآن تتوالى الاجتماعات في الغرب لتقوية حلف الناتو وتطويره، بانضمام دول شرقية أوروبية له، والسؤال : ضد من هذا التطوير وهذه التقوية؟ إنهم يريدون ضم دول المعسكر الشرقي إلى الغربي لمقاومة العدو المشترك الذي لن يكون بالطبع إلا إيانا.

تاسعا : إفساد المنطقة أخلاقيا وهكذا طبع اليهود إذا دخلوا في أية بلاد. فعن طريق السياحة والآثار يفسدون المنطقة كلها، فدول المنطقة جميعا مهددة بالإفساد عن طريق المخدرات والدعارة والأفلام القذرة، وقد نشرت الصحف هنا كيف أرسلت (( إسرائيل )) فتيات من حاملات وباء الإيدر إلى مصر، لأنها مركز الثقل والقوة في العالم الإسلامي وسيعمم هذا على جميع البلدان. وما القنوات الإباحية اليهودية إلا جزء من ذلك.

عاشرا : فتح الباب لغزو الجاسوسية اليهودية لأماكن ما كانت تحلم بها من قبل، وهذا هدف مهم جدا، لأن (( إسرائيل )) تخطط على مقدار ما تعلم عن المنطقة وتعرف حقائقها، فهي تود أن تعرف كل التفاصيل عن الصحوة الإسلامية، عن حالة الدفاع والجيوش العربية. وربما لا يخفى عليهم شيء ذو بال ولكن من الضروري الإلمام التام بكل الدقائق.

حادي عشر : هناك هدف يسعى وراءه اليهود هو اكتشاف الآثار اليهودية القديمة، وهناك دعوى تقول أن الأرض التي خرج منها اليهود ليست مصر وإنما هي جنوب جزيرة العرب وجاء بعضهم بصور من أبها ومناطق حولها وقال : إن أسماء التوراة تطلق على هذه المناطق. ويدللون على آثارهم في هذه الأرض بأن الملك الذي حفر الأخدود كان يهوديا. وبوجود خيبر ومهد ذهب سليمان، وهذا كله تمهيد لقولهم أن هذه الأرض هي أرضنا.

هذه بعض الأهداف التي يسعون لتحقيقها وبعض ما يمكن أن يقدم على المنطقة إذا تحققت مخططاتهم. ونسأل الله أن يحمينا ويحمي ديننا وبلادنا من شرورهم.

مقترحات للمواجهة : وختم د . سفر الحوالي محاضرته القيمة بعدد من الآراء والمقترحات لمواجهة مشروعات الأعداء ، ويحدونا الأمل والثقة في تصدي الدعوة الإسلامية لما يعد أعداؤها لها وأهم هذه الآراء والمقترحات التي رآها ضرورية :

(1) نشر الوعي العقدي في الأمة قاطبة، والعقيدة الصحيحة في كافة المستويات ولا سيما عقيدة الولاء والبراء، وأن نعلن إسلامية المعركة، وأن مؤتمر مدريد لم يمثل فيه الإسلام، ولم نسمع فيه قال الله وقال رسوله، أو أن القدس إسلامية، فالقضية في أساسها إسلامية لا تخص الفلسطينيين وحدهم، ولا العرب وحدهم، ولا المسلمين المعاصرين اليوم فقط، بل هي قضية إسلامية تهم كل المسلمين إلى قيام الساعة.

(2) إحياء رسالة المسجد. لمقاومة هذا التيار الإعلامي والثقافي الجارف، ونحن لا نملك إلا المسجد، والحمد لله فإن تأثيره كبير ويجب أن نستزيد منه، فإذا كنا لا نملك أقمارا صناعية لمواجهة الأقمار الصناعية الغازية فليس أقل من الاستفادة القصوى من الوسيلة التي بين أيدينا.

(3) يجب توحيد صفوف أهل السنة والجماعة في جميع أنحاء العالم، وأن يكون ذلك مقدمة لتوحيد صفوف الأمة كلها على نهج السلف الصالح بإذن الله. كما يجب الالتقاء على خطط دعوية وعملية لنشر هذه العقيدة مع تجنب إثارة الخلافات في الأمور الفرعية الاجتهادية بل تحل عن طريق المودة والأخوة والرحمة وذلك بإحياء أدب الخلاف كما كان بين السلف.

(4) ضرورة إنشاء المصارف الإسلامية لمقاومة الاجتياح الربوي الذي يريد أن يجتاح المنطقة.

(5) التنبه الشديد لخطر التغيير المتدرج للمناهج الدراسية بل يجب أن يزداد فهم الطلاب للآيات والأحاديث عن مكر اليهود بنا، وتطبيقها على الواقع الذي نعيشه.

(6) يجب أن نبعث الأمل في الأمة بالوعد الحق الذي وعده الله تبارك وتعالى ونقرن ذلك بالأدلة الشرعية والواقعية حتى لا تيأس الأمة، فالأمة الإسلامية هي الأمة التي لا تعرف اليأس أبدا في أي مرحلة من تاريخها، نحن على ثقة بأن الله ناصرنا.

(7) تنشيط الدعوة في الغرب عامة وفي أمريكا بوجه خاص، ورصد خطط وحركات المتآمرين هناك ووصيتنا إلى إخواننا المقيمين في الغرب أن يرصدوا هذه الحركات، وعليهم بعد التمسك بدينهم أن يدعوا الغربيين للإسلام، فالفراغ الديني والحريات هناك تتيح فرصًا لنشر الدعوة الإسلامية ولا سيما في أمريكا. وإذا استطاع المهتدون اختراق أجهزة الإعلام والسياسة فيمكن أن يفعلوا الكثير.

(8) الوقوف الحقيقي بكل قوة مع الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، لإمداده بالدعوة والكتب والمال وكل ما يحتاج إليه في جهاده والحرص على بقائه في الأرض المحتلة وعلى زيادة عدده وهذا ما يفقد (( إسرائيل )) توازنها البشري والسياسي والمعنوي، فالأمريكان والبريطانيون وغيرهم - اليهود منهم والنصارى - يتبرعون بمئات المليارات (( لإسرائيل )) وعدد المسلمين في هذه الدول يصل عشرات الملايين ولا حواجز ولا موانع من دخولهم الأرض المحتلة فلماذا لا يساعدون إخوانهم المسلمين في فلسطين مع التنسيق بيننا وبينهم.

(9) المطالبة بسحب كل الأموال والأرصدة من بنوك هؤلاء الأعداء وصرفها على حاجات الأمة الضرورية في أنحاء العالم الإسلامي، فأعداؤنا يعيشون على المليارات مما نضعه من أرصدة عندهم بينما يموت الملايين من المسلمين جوعا وفقرا وتشريدًا. وكذلك المحافظة على ثروة الأمة ورصيد الأجيال المقبلة من أن يستنزفه اليهود والنصارى في غمرة ما يسمى السلام فلا يمض حين إلا وبلادنا يباب بلقع.

(10) يجب علينا محاربة الترف والإسراف والفراغ الذي تعيشه هذه الأمة وحشد كل طاقات الأمة لمواجهة هذا العدو الأخطبوطي الحقود. وفروا من مرتباتكم ونفقاتكم وأوقاتكم لأننا أمام عدو ضخم وشرس فالمعركة ليست معركة غالب ومغلوب وإنما هي معركة وجود أوغير وجود.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون ... وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

الجزء الرابع

المقدمة

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م