القدس بين الوعد الحق .. والوعد المفترى

البداية

الجزء الثالث من المحاضرة :

الساعون لتحقيق الوعد المفترى : قبل هرتزل : كيف نشـأت الحركـة الصهيونية التي تطالب بأرض فلسطين وتعدها أرضًا يهودية .. ومن أين جـاء الشعور للعالم بأن الوعد الذي وعد اللّه تبارك وتعالى لإبراهيم صلى اللّه عليه وسلم هو لليهود وليس للمسلمين؟ الذي نسـمع عنه وما قرأناه في منهج التـاريخ الدراسي أن الذي بدأ هذه الدعوة هو هرتزل، واليهود. والحقيقة غير ذلك؟ إذ أن أول من بدأ الدعوة لتجميع اليهود ولتطبيق نبوءات التوراة هم النصارى قبل اليهود، وقبل الحـركة الصهيونية بكثير من أربعة قرون .. وإن لم نعي هذه الحقيقة جيـدًا فإننا لن نستطيع معرفة مواقف الغرب عامة وأمريكا بخاصة من الصـراع الذي نعيشه الآن. فلنلمّ بعجالة تاريخية لنرى ذلك.

الطاعون الأسود : كيف كان اليهود في أوربا؟ اليهود ملعونون في الإنجيل، وقد لعنهم الله تعالى من قبل : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) } المائدة ولكن كونهم ملعونين وإخوان القردة والخنازير وعباد العجل ومصاصي الدماء ليست هذه وحدها هي سبب عداوة النصارى لهم بل المسألة عند النصارى أكبر من ذلك بزعمهم. فجريمتهم ليست الكفر بالله وقتل الأنبياء ، ولكنها قتل الرب " المسيح " !!! تعالى الله رب العالمين وصدق حيث يقول : { ... وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ... } النساء 157 وهكذا ظـلت العداوة التي لا تنطفئ بين الطائفتين واستمرت الكنيسة البابوية التي مقرها روما في لعن وعداوة اليهود بشكل عجيب وهائل .. ومن طرائف هذا العداء أن وباءً خطيرا انتشر في الغرب يسـميـه الغربيون " الطاعون الأسود " قـضى على الملايين من الأوروبيين حـتى أقفرت كثير من المدن والقرى. فأعلن البابا في منشور رسمي عمم في كافة أنحاء أوروبا أن هذا الطاعون سببه اليهود! فكان أي خبث في الدنيا أو شر ينسب إلى اليهود، وقامت حملات عارمة تزعمها البابا لتنظيف المجتمعات الأوروبية من اليهود، وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر استمرت حملات التنظيف، فنظفت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكثير من دول أوروبا من اليهود لأنهم يرونهم أخطر خلق الله وأكثرهم شرًّا - وهم كذلك - ويا لها من نظافة لو استمرت! ( من العجيب أن أمريكا التي أفادت كثرًا من تجارب أوربا لم تستفد هذه النظافة بل خالفت عمدا وصية رئيسها الأولى جورج واشنطن التي حذر فيها من إدخال اليهود إلى أمريكا، بل سرقوها (اليهود) من المتحف وقد نشرها الأستاذ محمد أحمد باشميل في كتابه (غزوة بن قريظة) ولتفصيل كيفية سيطرتهم على رؤساء أمريكا انظر الصيحة التحذيرية التي أطلقها الكاتب الأمريكي (بنيامين فريدمان ) وترجمها زهدي الفاتح ضمن كاتب (من يحكم واشنطن وموسكو) ص 9 - 73 وهي جديرة بأن يعاد نشرها وتكمل ) ومن جحيم أوربا لجأ اليهود إلى كنف الأندلس وآواهم المسلمون وبعدما احتل النصارى مدريد الإسلامية وشنوا حربهم الإبادية الشاملة على المسلمين في الأندلس شمل ذلك اليهود معهم فلجأوا إلى الولايات التركية وخاصة اليونان.

وفي تلك الحقبة التاريخية الحاسمة قدر الله أن يقع حدثان كبيران أحدهما جغرافي والآخر ديني، ومن امتزاج آثارهما تولدت أكبر قوة معادية للإسلام ولوعد الله الحق وساعية لتحقيق الوعد المفترى والتمهيد للمسيح الدجال وهي (الولايات المتحدة الأمريكية ) : أما الحدثان فهما :

1 - اكتشاف أمريكا . 2- ظهور الحركة البروتستانتية .

الحركة البروتستانتية : البروتـستانت هـي الطائفة التي تحـتج على البابا (زعـيم الكاثوليك ) وتخرج عليه وتؤمن بأن البشر لا يتوسطون بين الناس وبين الله، وقالوا : إن على كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس مباشرة ويطبقه مباشرة، وترفض احتكار رجال الكهنوت لتعليم الدين وتفسير الإنجيل، وقد تأثروا في ذلك بالمسلمين إبان الحروب الصليبية، إذ رأوا أن المسلمين يتعاملون مع كتاب اللّه مباشرة، ولا يتوسط أحد بينهـم وبين اللّه سبحانه وتعالى .. والذي حدث في أوروبا أنه بعـد ظهور هذه العـقيدة بـدأ الناس يرجعـون إلى الأصول التوراتية، وقام مارتن لوثر صاحب حركة البروتستانت وترجم التوراة إلى اللغة الألمانية وكذلك الإنجليزية، وقد انتشرت الحركـة البروتستانتية أكثر ما انتشرت في ألمانيا وبريطانيا وآمن هؤلاء بحرفية الكتاب المقدس وعصمة التوراة، وأن كل حرف في التوراة هو حق من عند اللّه وبدأوا يقرأون مثل الوعـد الذي ذكرنا لإبراهيـم وليعـقوب، فـآمنوا به وبضرورة تحقيقه، وأعرضوا عن تفسيرات البابا ورجاله للعلاقة مع اليهود. وابتهج اليهود بهذه الحركة ووجدوا فيها متنفسًا لهم وفرصة للانتقام من البابا وأتباعه، وضرب النصارى بعضهم ببعض، فسخروا مكرهم ودهاءهم وأموالهم لنشرها. وهكذا بدأت العـلاقة بين اليـهود والنصارى تتحسن بالتـدريج وبدأ هؤلاء النصارى يؤمنون بأن أرض فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود وأن الواجب الديني يقتضي تحقيق هذا الوعد. وأخذ اليهود في نشر هذه المبادئ بين سائر طوائف النصارى. وشهد القرنان الماضيان من الحروب الطائفية في أوربا ما لا نظير له في التاريخ

واكتشفت أمريكا : في وقت كانت الحرب على البروتستانت من قبل الكاثوليك كبيرة وعنيفة مما اضطر البروتستانت إلى الهجـرة إلى العالم الجديـد. فأخـذوا يتدفـقون نحوها وإلى الآن لا يزالون هم أكثـر سكان أمريكـا وقد خرجـوا من أوربا بروح التدين التـوراتي فلما دخلوا أمريكا تفـاءلوا بأن هذا خروج كـخـروج بني إسـرائيل ودخـولهم إلى الأرض المقدسـة، وأخذوا يسمون المدن والمناطق في أمريكا بأسماء من التوراة، واعتقدوا أن هذه الأرض البكر بشـرى بشرهم اللّه بها في الدنيا، وتأسس المجتمع الأمريكي على أساس بروتستانتي توراتي كما سبق في كلام كارتر. ولعلكم الآن عرفـتم بداية الجواب على سؤالـكم السابق لماذا في هذا العـصر دونما قـبله من العـصور يسـعى النصارى لتحـقيق وعـد اليهـود ويتحولون من اضطهادهم إلى خدمتهم؟! وعرفـتم لماذا كانت أمريكا هي الدولة المهيأة لاحتضان حكومة المسيح الدجال الموعود بها عام 2000!

صهيونيتان : كانت نتيـجة الحركة البـروتستانتيـة والتغلغل التوراتي فيـها هي ظهور فكرة الصهيونية النصرانية قبل فكرة الصـهيونية اليهودية وتبنيها لفكرة عودة اليهود إلى فلسطين تمهيدًا لعودة المسـيح التي كان بعضهم يظن أنها ستكون بداية هذا القرن الميلادي كما أشرنا وأبرز رجال هذه الحركة في أمريكا هو (بلاكستون ) الذي تحتفل الدولة اليهودية بذكراه، وهو ليس يـهوديًا بل بروتستـانتي ولد عام 1841 ودعا إلى الحركـة الصهيونية قبل هرتزل بزمن وذلك في كـتابه المسمى (( عيسى قادم )) وقد ترجم إلى أكثر من 48 لغة منها العبرية وطبع عدة طبعات وطبع منه أكثر من مليون نسخة وكان أوسع الكتب انتشارا في القرن التاسع عشر في الغرب. ويتلخص فكر بلاكستـون فيما أسماه ( الاستعادة الأبدية لأرض كنعان من قبل الشعب اليهودي ) واستطاع بلاكستون بعد ذلك أن يصوغ مع طائفة من أعـوانه عريضة ويوقعها مع أكثر من 413 شخصية أمريكية من النواب والقضاة والمحامين والنخب ويرفعوها إلى الرئيس بنيامين هريسون يطالبونه فيها باستخدام نفـوذه ومساعيه لتحقيق مطلب الإسرائيليين بالعودة إلى أرض فلسطين، وقد قدمت هذه العريضة عام 1891 م. وفي بريطانيا أسس البروتستانت صندوقا سمي (صندوق اكتشاف فلسطين ) أيام حـكم فكتـوريا وكـان رئيس الصندوق هو رئيس أسـاقـفـة كنتربري وهو أكبر الأساقفة في بريطانيـا. وذلك بغرض اكتشاف أرض الميعاد وحدودها ومعالمها كما وردت في التوراة. ثم ظهر بعد ذلك (بلفور) صـاحب الوعد المشهـور. وتقول مـؤلفة حياته وهي ابنة أخته : " إنه كان يؤمن إيمانًا عميقا بالتوراة ويقرأها ويصدق بهـا حرفيًا. وأنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصـدر هذا الوعد " وكان رئيـس وزراء بريطانيا في أيامه هو (لويد جورج ) الذي يقول عن نفسه : " إنه صهيـوني وإنه يؤمن بما جاء في التوراة من ضرورة عـودة اليهود وأن عودة اليهود مقدمة لعودة المسيح وهناك شواهد كثيرة على سبق الحركة الصهيونية النصرانية ورسوخها يضيق المجال عن ذكرها، ونكتفي بقول حاييم وايزمان : إن من الأسبـاب الرئيسية لفوز اليهود في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيـا بإنشاء الوطن القوى اليـهودي هو شـعور الشـعب البريطاني المتأثر بالتوراة "؛ (عن ( الصهيونية في الستينات ) محمد نعناعة ص 7 ومثله في النبوءة والسياسة ص 10 وموضوع بلاكستون عن البعد الديني ، المصدر السابق ). ابن راعي الكنيسة : بعد ذلك ظهر الرئيس ولسون الذي كان يحكم أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى حينما كان العرب يحاربون إلى جانب الحلفاء ويقول ولسون هذا عن نفسه : " إنه يجب على ابن راعي الكنيـسة أن يكون قادرًا على المساعـدة لإعادة الأرض المقـدسة لشعـبها اليـهودي " وتقول عنه إحدى المؤلفات اليهوديات : " إن التزام الرئيس ولسون بالصهيونية كان عميقًا جدًا وكان مـعنيًا بالفكر الصهيـوني النصراني للدرجـة التي لم ير فيها النتائج الأخلاقية والسياسية والدينية للبرنامج الصهيوني " ومن الغرائب المضحكات كما يقـول أحد الكتاب " أن ولسون رئيس أكـبر دولة مدعي الثقـافة كان يظن أن عدد اليهود في العالم مائة مليون في الوقت الذي لم يكن يتعدى عددهم أحد عشر مليونًا " !!

فانظروا كيف استطاعوا تربيته لترسخ في ذهنه هذه المعتقدات! وفي أيام ولسون ومن بعده ظهـر رجل لابد من الإشارة إليه وهو أحد الزعماء المهـمين في الولايات المتحدة وهو رئيس لجنة العلاقات الخـارجية في الكونجرس الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى. يقول في خطاب ألقاه في بوسطن عام 1922 : " إنه جدير بالثناء أن يرغب الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم أن يكون هناك وطن قومي لأفراد جنسه الراغبين في العودة إلى البلاد التي كانت مهدا لهم والتي عاشوا وعـملوا فيها عدة آلاف من السنوات، وإنني لا أحـتمل فكرة وقوع القـدس وفلسطين تحت سيطرة المحـمديين " هذا هو حـديث رئيس لجنة العلاقـات الخارجـية في الكونجرس عام 1922 أي قبل 26 عامًا علـى قيام دولة " إسرائيل " يؤكد أنه لا يطيق أن تبقى القدس وفلسطين تحت سيطرة المسلمين!! ذلك كله حتى نعلم أنه قبل اشتداد عود اليهود كان النصارى يؤمنون بضرورة ( إسرائيل )، في فلسطين. وكانت إحدى نتائـج ( البروتستانتية ) المعاصـرة أن ظهرت في أمريكا صحـوة دينيـة هائلة، نعم هي صحـوة ويسمـونها صحوة، ويصـفونـها بالأصولية، وهي كذلك أصولية إنجـيلية، ويجب الانتباه للحديث عن هذه الصحوة لندرك مـدى الغفلة التي تَلُفُّنَا نحن المسلمين، ولا سيـما من قبل وسائل إعلامنا التي لا تقـدم لنا هذا الوجه الآخر الذي يزداد كل يوم في أمريكا - بلاد الإباحية والعلمانية والإلحاد. وهذه الصحوة أو الأصولية التي تتبنـى الوعد المفترى وتؤثر في توجيه السيـاسة الأمريكية والرأي العام الأمريكي وتؤيد الدولة اليهـودية تأييدًا مطلقًا لابد من تفصيل الحديث عنها ومعرفة رجالها وأعمالها.

صحوة إنجيلية : يؤكد الكتاب التعـريفي الذي توزعه المراكز الثقافية الأمريكية - ومنها مركز جدة - بعنوان ( أمريكا اليوم ) أن الأمريكان ليسوا شعبًا غير متدين كما نظن، وهذا صحيح ولكن الدين عندهم فضفاض ومرن، يكفي أن تؤمن بما تقوله الكنيسة، وما توجه به من تعـاليم وتكون عضوًا فيها بشكل ما، ولا يعني تدينهم السلوك الجاد، وهناك إحصاءات أجريت تقول : إن أكثر الشعوب النصرانية تدينًا من حيث النسبة العددية هي أيرلـندا في المقام الأول ثم أمريكا. ويذكر معهد جالوب المتخصص في الإحصاءات أن اكثر من 94% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يؤمنون باللّه (بالطبع على عقيدتهم ) وأن 71% من سكانها يؤمنون بالبعث بعد الموت على العقيدة الإنجيلية، وتقول أيضًا بعض الإحـصـاءات أن عدد أعضـاء الجسـم الكنسي في الولايات المتحدة سنة 1970 م كان 131 مليونًا من الأمريكان، وجميعـهم ينتمون إلى الكنائس، وارتفع عام 1980 إلى حوالي 135 مليونًا، ولكنه قـفز خلال السنتين التاليتين إلى 139 مليونًا وستمائة ألف. أما بكم يتبرع هؤلاء الأمريكان للكنائس؟ يقول الإحصـاء : في عام 1982 (وهو يعـتبر قديمًا) : أنهم يتبـرعون بحـوالي ستين ألف مليون دولار، في حين أن النشرات الحكومية مثل (أمريكا اليوم ) تقدره بنصف هذا الرقم، وهو كثير، وقد نشرت المجلة الدولية لأبحاث التنصير سنة 1989 أن مجموع التبرعات الكنسية لأغراض التنصير هو (151) ألف مليون دولار (أي في أمريكا وغيرها). وقد ارتفع الرقم سنة 1990 إلى كثر من (180) مليار. وقد رصدوا لتنصير الصومال وحدها (196 ) مليارًا .

جامعات ومدارس : ثم نأتي للمدارس الدينية والجامعات والشبكات التلفازية في أمريكا .. كم تتوقعونها ؟ أتظنون أن الصحوة النصرانية في أمريكا مثل الصحوة الإسلامية عندنا هنا ليس لها مجلة أو صحيفة أو إذاعة فضلاً عن أية قناة تلفازية عبر الأقمار الصناعية ؟! لا بل تمتلك الكنائس وتدير عدة مئات من المدارس والجامعات والمعاهد في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 81 -1982 م بلغ عدد معاهد التعليم العالي 1948 معهدًا، فكم تكون الآن ؟! أما المدارس فقد كان عددها عام 1954 م لا يزيد عن 123 مدرسة ثم قفز عددها عام 1980 إلى ما يزيد على 18 ألف مدرسة ( هنا يقفز سؤال لماذا كان يرجع المبتعثون من البلدان الإسلامية إلى أمريكا قبل ثلاثين أو عشرين سنة أكثر انحلالا وميلا إلى الإلحاد بينما يعود المتأخرون من المبتعثين أكثر تدينًا؟ ! إن الصحوة النصرانية من أسباب ذلك. واسألوا الذين ابتعثوا قبل عشرين أو ثلاثين سنة .. كان النصارى لا يكلمونهم في الدين أبدًا بل كانوا يقولون لهم : نحن كافرون بديننا فلماذا لا تكفرون بدينكم؟ أما في السنوات الأخيرة فإن الطالب المبتعث يدخل الجامعة ويحيط به زملاؤه ومدرسوه ومدرساته يناقشونه في الدين .. والمسلم مهما كان فاسقًا حين يكون النقاش بـين النصرانية والإسلام وبين القرآن والإنجيل المحرف فإنه يعلم أن الحق مع الإسلام والقرآن. وهذا يحفزه للاتصال بإخوانه المسلمين والتعاون معهم! ). وليس جديدًا أن يقال إن الجامعات الشهيرة في أمريكا إنما أسست على أساس ديني بروتستانتي ومنها ( هارفارد وييل وجـورج تاون وديتون وبيلور ودنفر وبوسطن ... إلخ ). وإجمالا تستطيع أن تقول : إن للأصولية النصرانية في أمريكا أكثر من 20 ألف مدرسة ومعهد وكلية والملايين من الطلاب والـدارسين للتوراة وكلهم يؤمنون بهذه العقائد التوراتية التي تحدثنا عنها.

رؤساء وقساوسة : ومن الأدلة التي يستدل بهـا الباحثون على تدين أمريكا وعودتها إلى المحافظة أنها اخـتارت آخر رئيسين قبل بوش من المتـدينين المحافظين وهما كارتر وريجان، فكارتر كـان ملتزمًا التزامًا صارمًا بالكنيـسة الإنجيلية، ولا يزال كارتر إلى هذا اليـوم مبشرًا، ويتنقل من أفغانسـتان إلى الحبشة والسودان وغير تلك البلدان مدافعَا عن التنصير، ومبشرًا بالنصرانية، وهذا معروف عند كل من تتبع أخـباره، فهـو رجل منصر وقـسيس، والرئيس الذي جاء بعده ريجان، قلنا : إن أحد الإعلانات الانتخابية ذكـر أنه أكد أكـثر من إحـدى عشرة مرة أنه يؤمن بنبوءات التوراة ومنها معركـة ( هرمجدون ). ودليل آخر عن انتشار الصحوة الدينية في أمريكا يقول : إن إحصاءات صناعة الكتب الأمـريكية سجلت أكبر ظاهرة في شـراء الكتب الدينية .. ففي عام 1984 بيع أكثر من ثلث السوق كتبًا دينية وتقـدر أثمان هذه الكتب بحوالي مليار دولار دفع ثمنها حوالي 37 مليون مشترٍ.

الإعلام الديني : بل تأتي الـدلائل أغـرب من هذا كـله وهي أثر الدين فـي الإعلام الأمريكي، فمـحطات الإذاعة والتلفاز مشغـولة بالحديث عن التـوراة ورجالها، ويقـولون : إن صور نجوم البرامج الدينية المسمـوعة والمرئية من أمثال جيري غراهام وجـيري فـولويل احتلت صـفحـات أبرز المجلات الأسبـوعيـة، وأصبحـت تسيطر على عقول الأمريكان، حـتى إن هؤلاء النجـوم - نجوم الأصولية؛ ومنهم سويجـارت صاحب برنامج الحـملة الصليبية الـذي انهزم في مناظرة مع الشيخ أحمد ديدات أصبحوا ينافسون نجوم (( السينما )) والفن والرياضـة في اجتـذاب اهتمام الجـماهيـر وتتبع أخـبارهم وأحـاديثـهم باستـمرار .. وقدرت بعض الإحـصـاءات نسبـة الأمريكيين المسـتمـعين والمتابعين لبرامج الأصولية الدينيـة في عام 1980 بحوالي 47 % من الـسكان، ويقولون : إنهم يفـتتحـون محطة إذاعية كل أسبوع ومحطة تلفاز كل شهر .. ذلـك إحصاء منذ أكثر من عشر سنوات فكم وصل العدد الآن ؟! وهناك رابطة مشـهورة على مستوى أمريكا اسمها (( الرابطة الوطنية للمـذيعين الدينيين ))، أي المذيعين العـاملين في الإذاعات الدينيـة في جميع أنحاء أمريكا، ومد أنشئت هذه الرابطة عام 1944 يوم كان عدد المحطات الإذاعيـة 49 مـحطة، أما في عـام 1980 فقـد أصبـحت 800 مـحطة وارتفعت عام 1982 لتبلغ 1000 محطة تنتج وتدير برامج دينية. ومما يجدر ذكره أن هـذه الرابطة أخذت منذ 1980 بعـد هذا التوسع الهائل في تنظيم مؤتمر سنوي لأعضائها، وفي هذا المؤتمر تقام صلاة إفطار لمصلحة (( إسرائيل )) وتسيطر الحركة الأصولية النصرانية الغـربية على جميع شبكات الكنيسة المرئية والمسموعة، ويتلقى نجـمان من نجومها وهما جيري فولويل وبات روبيرتسون يتلقيان أموالاً أكـثر مما يتلقاه الحزبان الرئيسان في أمريكا الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. كل هذه حقائق من الصحافة الأمريكية، وقد اعتبرت الحركة الأصولية الأمريكية من الظواهر السـياسية فـي القرن العشرين ، وانكب علمـاء الاجتماع والنفس على دراسة هذه الظاهرة.

وهناك قضية لابد من النظر إليها : إذ يجب أن نربط بين ظهور الإيدز والهيربز وانتشار الصحـوة الدينية في أمريكا، فـالناس قد شعروا بأهمـية الدين للحياة، وقد كانت هناك كنائس أقليات نصرانية ترفض الزنا وتحاربه وتحافظ على أبنائهـا وبناتها منه، ولما انتشـرت هذه الأمراض الخبيثة ازداد عدد هذه الكنائس وانتشرت وازداد عدد تابعـيها، وكذلك إدمان المخدرات والضياع والفراغ، كل هذه العوامل أدت إلى تنامي الأصوليـة النصرانية، وقد تنامت هذه الأصولية ليصبـح عددها الآن ما يقارب ثمانين مليونًا، ولذلك تعتبـر من أهم الحركـات في القرن العشرين ويتوقع لها أحد المحللين أن تستمر خمسمائة عام على الأقل، هكذا يقدرون انظر تفصيلات ذلك في كتاب البعد الديني !!

الكنيسة المرئية : التلفاز الديني في أمريكا أمره عجب؛ إذ تنتشر البرامج التلفازية في أمريكا بشكل يصـعب معـه حـصرها على وجه الدقـة. ولكن رابطة الإذاعيين الدينيين تقول : إن لديهـا ألف محطة تلفازية وإذاعية مشتركة في نشاطها، كما تقدر أن عدد المستمـعين إلى المحطات الإذاعية المشتركة فيها يصل إلى 115 مليـون نسمة أسـبوعـيًا، وحوالي 14 مليـون شخص من أعضائها يشاهدون الكنائس المرئيهّ، وتقول بعض الدراسات : إن أهم عشر كنائس مرئية في الولايات المتحدة يشاهدها 40% من مشاهدي التلفاز الأميركي. وبالطبع هنا تجد فرق بين يسر الإسلام وعـسر غيره، فنحن جعلت لنا الأرض مسـجدًا وطهـورًا كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولكـن النصارى لا يستطيعون الصلاة إلا في الكنيسة، فتفتقت أذهان موجهيهم عن فكرة هي أنهم قالوا : نحن نأتيكم بالكنيسة المرئية يوم الأحد. ففي أي لحظة افتح التلفاز وستجـد الكنيسة أمامك، فأصبحت الأسـر الأمريكية تجلس وتفتح التلفاز فيجدون الكنيسة أمامهم، ويسمونها (( الكنيسة المرئية )). ويقدر معهد جـالوب المتخصص في الإحصاء أنه في عام 1982 كان 52مليون أمـريكي يشاهدون برنامجًا أو أكثـر من برنامج الكنيسـة المرئية شهريًا وعام 1983 حين ظهر الإيدز ارتفع العدد إلى 60 مليون شخص. وفي الدراسة الاستطلاعية التي أعدتها منظمة إذاعات الدول الإسلامية بجدة عن إذاعات التنصير أن في أمريكا وحدها 38 محطة تلفزيونية و 66 شبكة كابل و 1400 محطة راديو ومن بينها أربع خدمات تلفزيونية تتجاوز ميزانية البرامج لكل منها 50مليون دولار سنويًا ولك أن تقارن هذا بواقع الإعلام الإسلامي !!

برامج .. وبرامج : وقد استفاد هذا الجـهد الإعلامي من الأقـمار الصناعية، ويقدر أن نصف هذه المحطات تستخدم الأقمار الصناعية، هذا كان في عام 1985، أما الآن فـإنه من المحـتمل أن تكون كل المحطات تستـخدم الأقـمار الصناعية، وهذا يعني أنها تبث عبر العالم. وفي مجال السينما تذكر الدراسة نفسها أنه تم ( تخصيص ما يزيد على 100 مليون دولار لإنتاج سينمائي تعده في هوليود للتلفزيون مؤسسة إنتاجية اختارت له اسم GENESIS ويشمل إنتاج 15 فيلمًا أعدت مادتها في سفر التكوين و 18 فيلمًا من إنجيل لوقا ).

قائمة بأسماء أهم عشرة برامج في الكنائس المرئية تبعًا لأكثرها شعبية واجتذابًا للمشاهدين في الولايات المتحدة الأمريكية .

المشاهدون شهريا المشاهدون أسبوعيا البث صاحب البرنامج اسم البرنامج
16.300.000 4.420.000 يومي Pat Robertson

بات روبرتسون

The 700 Club

السبعمائة ناد

9.254.100 3.640.000 أسبوعي Jimmy Swaggert

جيمي سواجيرت

Weekly Crusade

الحملة الصليبية الأسبوعية

7.641.000 2.720.000 أسبوعي Robert Shuller

روبرت شلر

Hour of Power

ساعة من القوة

57.732.000 2.462.100 يومي Jim Bakker

جيم باكير

Praise The Lord

مجدوا الرب

57.732.000 3.037.600 أسبوعي Oral Roberts

أورال روبرتس

Expect a Miracle

توقع معجزة

5.603.400 1.870.000 يومي Jerry Fal Well

جيري فولويل

Old Time Gospel Hour

ساعة من إنجيل زمان

4.924.200 1.782.900 أسبوعي Kenneth Copland

كينيث كوبلاند

برنامج واستعراض كينيث كوبلاند
4.584.600 1.867.800 يومي Jimmy Swaggert

جيمي سواجيرت

A Study In The World

دراسة في الكلمة

4.075.200 1.443.300 أسبوعي Paul V. Gorder

بول فان جوردر

Day of Discovery

يوم الاكتشاف

3.735.660 1.613.100 أسبوعي Rex Humbard

ركس هابرد

برنامج واستعراض ركس هابرد

David W. Clark , (( Religious Television Audience , paper presented at : The Siciety for the Scientific Study of Religion, Savannah, Georgia, 25 October 1985, p.27.

وفيما يمكن أن نعـده نموذجًا لما تبـثـه هذه البـرامج يقول جـيمى سواجارت : أشعر أن الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة بحبل ولادة سري مع إسرائيل، وتعود هذه الروابط في اعتقادي إلي ما قبل ظهور الولايات المتحـدة الأمريكية بزمـن طويل كما ترجع الفكرة اليـهودية النصرانية إلى ( إسرائيل أو وعد الرب له، وهو وعد أعتقد أنه يشـمل الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، لأن اللّه ما زال يقول : إني أبارك الذين يباركون "إسرائيل " وألعن من يلعنونها، ومن فضل الله على الولايات المتحدة الأمريكية أنها ما زالت قوية اليوم، وأنا واثق أن هـذا يعود إلى كـونهـا تقف وراء "إسرائيل " وأدعو اللّه أن تظل دومًا سندًا " لإسرائيل ". أي أن بركةأمريكا تأتيها من وقوفها إلى جانب " إسرائيل " ومعنى ذلك أن قوة أمريكا من قوة " إسرائيل " .

نجوم أصولية

وإذا تجاوزنا ذلـك إلى قيادات الـتيار الأصولي الأمريكي، فـمن هم وماذا يعملون ؟ وعليكم أن تجروا مـقابلة بين أصوليتهم المدعومـة والمسنودة، وبين ما يواجه من يدعو إلى اللّه في بلداننا العربية ويوصم بالأصولية ويحارب من الجميع.

جيري فولويل (Jerry Fal well) أشهر هذه القيادات وأعظمها أثرًا، وله منظمة يـسمونها منظمة " الأغلبية الأخلاقـية " أو " الأغلبية المعنوية " ومن كلماته : (( إن دعم الولايات المتحدة لـ " إسرائيل " ليس من أجل مصلحة " إسرائيل " ولكن من أجل مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها )). هذا رجل غريب جدًا فقد قـاد دعوة في الولايات المتحدة تقول : إن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون أمـة نصرانية، وبعد أن اجتذب الناس وظهرت شعبـيته فإذا به ينقلب ويقلب هذا الشعـار ويقول : " إن الولايات المتحدة الأمريكية جمهورية نصرانية يهودية ". ويقول (( فولويل )) : " إن الوقوف ضد (( إسرائيل هو وقوف ضد اللّه ))، ويشير في برامجه إلى ما يسميه ( وعد اللّه لإبراهيم منذ أربعة آلاف عام ) وقول الرب : " سـأبارك من يبارك إسرائيل، و ألعن من يلعنها " كـما في التوراة ويضيف : وبناء على هذا فـان علي الولايات المتحـدة ألا تتردد في تقـديم كل الدعم المالي والعسكري إلى (( إسرائيل )). وعـندما قـامت دولة (( إسرائيل )) عام 1948 لم يعتبر ذلك مفتاحًا للنبوءات التوراتية فحسب بل قال : " إن هذا علامـة على مباركـة اللّه وفاء لشعب اللّه " ويقـول فولويل - وهذه عبارة مهمة بالنسبة لمشروع السلام - : إنه لا مجال للنقاش بكون يهودا والسامرا جزءًا من " إسرائيل " وكذلك الجولان، وإن القدس عاصمة أبدية موحدة لـ " إسرائيل ". وقد أنشأ فولويل جامـعة سماها (( جامعة الحرية )) ويقول : إن عدد طلابها سيصل عام 2000 إلى خمسين ألف طالب ويتعلم فيها الطلاب علم اللاهوت من وجهة النظر اليهودية، وهذه الجامعة ينتمي طلابها إلى دول كثيرة. وهو يؤكـد باستمرار ( أن إعادة تأسـيس إسرائيل عند المسيحـيين الأصوليين هو إيفاء بالنبوءات ) أي وعود التوراة المحرفة. وهو لا يكتفي بالحدود الجغرافية الحالية لـ " إسرائيل " بما فيها الضفة الغربية وغزة والجولان بل يطالب بامتداد أراضيـها من الفرات إلى النيل، ويقول في برنامجه (( ساعة من إنجيل زمان )) - حينما غزا اليهود لبنان واحتلوا بيروت عام 1982 – يقول : (( يذكر سفـر التكوين من التوراة أن حـدود " إسـرائيل " ستـمتـد من الفـرات إلى النيل، وستكون الأرض الموعودة )) والأرض الموعودة كما يقول : (( هي العراق وسورية وتركـيا والسعـودية ومصر والسودان وجميع لبنان والأردن والكويت )) فالأصولية الإنجيلية ترى أن كل هذه الأرض أرض كنعان، إذن كلها موعودة. الذي يهاجـم العرب، ويقول : لا مكان للعرب بيننا، ولا علاقات حسنة معهم، لأنهم ينكرون قيم الولايات المتحـدة الأمريكية وطريقة معيشتها، ويرفضون الاعتراف ب (( إسرائيل )). وهذا اتباع لما جاء في التوراة من أن هناك سبعة شعوب ملعونة أهمها الشعب العربي. بقي أن نقول إن (( جيري فولويل )) هذا صديق حميم للرئيس الأمريكي بوش وقد أعلن بوش كثر من مرة صداقته له كما سبق كتاب البعد الديني ... ص97.

والرجل الثاني (( بات روبرتسُن )) صاحب الخط 800 : وهذا معروف في أنحاء أمريكا كلها بأنه نجم تلفازي ديني، وقد أنشأ هذا الرجل محطة تلفازية تغطي أكثر من ستين دولة أجنبية وتستخدم الأقمار الصناعية في البث ويقول الرجل أنه يتلقى أكثر من أربعة ملايين مكالمة عن طريق الخط المجاني رقم 800. وهذه المكالمات تحتوي الفتـاوى والأسئلة والاسترشادات الكنسية، ويجيب عليها هو وزمرته، وقد أعلن عام 1988م أنه رشح نفسه لرئاسة الولايات المتـحـدة الأمريكيـة، وأنه ينوي أن ينافس الرئـيس بوش في الانتخابات، ولكنه انسحب بعد ذلك. أرأيتم ما يتمتع به هذا الرجل من نفوذ يمكن أن يصل به إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهو من القادة الأصوليين المتطرفين في أمريكا؟ إن السياسة محرمة على الأصوليين الإسلاميين فقط !! للتفصيل انظر المصدرين المشار إليهما (( البعد الديني )) و (( النبوءة والسياسة )) وقد أفاضت المؤلفة عنه وخاصة من ص 71 ثم في فصل خاص عن فولويل ص ه8-ه9 ذكرت نموذجًا لتفكير أتبـاع هذا الأصولي في مقابلة مع أحدهم وهي نقاش فريد لولا خشية الإطالة لنقلنا شيئًا منها، فلتراجع. وهناك محطة مشهورة هي ( C.B.N) . هذه المحطة يملكها (( بات روبرتسن )) وجماعته الإنجيلية الأصولية، وهي تذيع باستمرار على مدار 24 ساعة وتركيزها الأساسي على برامج الوعظ. وكـذلك (( نادي السبعمائة ))، ويملـك أيضًا جامعة تسمى جامعة ( C.B.N). وتقول عنه نيويـورك تايمز لا يوجد في عقل بات روبرتسن سوى الأيام الأخـيرة مـن الزمن، والمجيء الثانـي للمسيح ونشوب مـعركـة هرمجدون. أي أنه يتوقع نزول المسيح - عليه السلام - بنهاية هذا الألف الثاني للميلاد، ويعلل ذلك بان إعادة مولد ((إسرائيل )) هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، كما أنه مع مولد (( إسرائيل )) فإن النبوءات أخـذت تتحقق بسرعة، أي أن كل ما أخبر به الكتاب المقدس سيأتي اعتبارًا من وجود دولة (( إسرائيل )). وفي برامجـه يؤكد دائمًا على عداوته للعرب ويسميـهم أعداء الله، ويعتقد أنه لا مجال للعدل مع الفلسطينيين طالما أن رغبة اللّه هي تأسيس (( إسرائيل )) وفي تعيين حدودها.

غزو ديني : فالقضية في نظره ليست رأي بشر، بل هي إرادة اللّه، ومنطوق التوراة. ومن غرائب سلوك هذا الرجل أنه حينمـا احتلت (( إسرائيل )) جنوب لبنان أسس محطة تلفازية أسماها (( نجـمة الأمل )) وهذه تبث برامجها من المنطقة التي سيطر عليها المنشق اللبناني والعميل الإسرائيلي الرائد حداد، ( مما يثير السخرية بالمرة أن الإعلام العربي يسمى هذه الحفنة من نصارى لبنان الميليشيات العميلة وكأنه لا عميل لليهود في المنطقة إلا هي !!). وبافتتاح هذه المحطة التي تغطي سورية والعراق وتركيا ومصر وشـمال الجزيرة العربية. يقـول بات روبرتسن (( لا يسد القـرآن والتعـاليم الإسلامية أعـمق حاجات الروح الإنسانية، وها هي أيام عصيبة حـيث يستند الإسلام إلى عقيدة منقسمة على نفسها )) أي فهو متوقع سقوطه وانهياره. ويضيف : (( ومع وجود مشاعر سلبية عميقة لدى المسلمين، فهناك انفتاح جديد عندهم لتقبل رسالة الإنجيل إذا ما قدمت إليهم بواسطة التلفاز )). ويقول في إحدى نشراته أن احتلال (( إسرائيل )) للقدس في حرب حزيران 67 هو أهم حـدث تنبؤي في حياتنا، وأن زمـان غير اليهـود قد قارب على النهاية، وأن شبكته الإذاعية ستكون جزءًا حيويًا من حركة الإله نحو دعم (( إسرائيل )). وقد كـان هذا الرجل - بات روبرتسن - ضـمن الوفد الرسـمي الذي رافق بوش في زيارته للسـودان عـام 1985 التـي وقع على أثرها اتفاق أمريكي - سوداني بترحيل يهود الفلاشا إلى (( إسرائيل )) وهذا يدل على قوة العلاقة التي تربط هذا الرجل بالرئيس بوش كما بعث بطائرات حملت يهـود الفلاشا إلى (( إسرائيل )) من أمريكا ومن جنوب لبنان، ومع كل هذا فلا تنس أن الرجل زعيم أصولي إنجيلي وليس يهوديًا. وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 12/ 11/ 1412 هـ خبرا عنوانه (( داعية ديني يشتري أكبر وكالة أنباء أمريكية )) وذكرت قصة شراء شركة روبرتسـن المسماة شركة الإعلام الأمريكية لوكـالة ((يونايتد انترناشيونال )) الشهيرة وقالت (( وتنتمي شركة الإعلام الأمريكية إلى شبكة الإذاعة المسيحية الـتي يمتلكها روبرتسن وهي سلسلة من محطات التلفزيون والراديو تنتشر في مخـتلف أنحاء الولايات المتحـدة وتصل هذه القناة العائلية الخاصة المقصورة على المشتركين إلى 54مليون أسرة أمريكية )).

أما الرجل الثالث المشهور جورج أوتس : في - إطار الأصولية الإنجيلية فيدعى جورج أوتس وله منظمـة كبيرة تسمى (( رعوية المغامرة الكبـرى )) وهذه المنظمة تؤمن بحرفية التـوراة وأنها كتاب من عند الله، وبالتالي فـهي تؤمن بأن (( إسرائيل )) مقدمة لعودة المسيح - عليه السلام - ثانية، وتلتزم التزامًا كاملًا بدعم اليهود، وتقول في إحدى إعلاناتها : (( نحن ملتزمون بأمن (( إسرائيل )) كـما نؤمن بأن كل الأرض المقدسة هي ميراث للشعب اليهودي، غير قابل للنقل أو التصرف، وهو الوعد الذي أعطي لإبراهيم وإسحق ويعقوب، ولم يلغ قط. وتضيف : (( كما أن إنشاء (( إسرائيل )) الحديثة هو إيفاء لا ينازع للنبوءة التوراتية، ونذير بمقدم المسيح، ونـعتقد أن اليهود فـي أي مكان ما زالوا هم شعب الله المختار وأنه يبارك من يباركهم ويلعن من يلعنهم )) .

فايك إيفانز : وهناك شخصية أخرى من شخصيات الأصولية النصرانية، هو (( مايك إيفانز )) وهو أيضًا رجل له علاقة حـميمة بالرئيس بوش ( تقول غريس هالسيل نقلًا عن أحد الرهبان الإنجيليين : (( إن القس مايك إيفانز هو صديق لجورج بوش وأنه يحتل مكانًا مرموقًا في الحزب الجمهوري، وأنه يتحرك في صفوف الناخبين ويحثهم على انتخاب أمثالنا : أمثال ريجان وبوش، إنه يؤمن بأمريكا مؤيدة لإسرائيل .. )) ص 191 وقال الراهب : " إن مايك إيفانز يهودي تنصر من أجل مساعدة شعبه ولكن هذا لا يعي أنه يذهب إلى إسرائيل ويحاول تنصير اليهود؛ ولا شيء من ذلك على الإطلاق، يريد أن يظهر لإسرائيل ولليهود أننا نحبهم وأننا نقف إلى جانبهم ... والله يقول إنه يبارك أولئك الذين يباركون اليهود ))! هذا هو زميل بوش في الحزب وصديقه الحميم وأحد دعاة حملته الانتخابية منذ أيام ريجان !! فلعلنا نعرف ما هي الشرعية الدولية والنظام الدولي الجديد الذي دعا بوش إليه !)، وهو من أكثر الأصوليين النصارى تطرفًا، ورأيه يتلخص في أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى سعيًا حثيثًا من أجل إقامة إسرائيل، ويرى أن مثل هذا العمل لوجه الله، وتأييدًا لكلمة الله، ويملك برنامجًا إسمه (( إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء )) وهذا البرنامج يبث لمدة سـاعة يوميًا في أكـثر من خمسين محطة تغطي أكثر من 25 ولاية أمريكية. يقول (( إيفانز )) : إن تخلى (( إسرائيل )) عن الضفة الغربيـة سوف يجر الدمار على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة الأمريكية من بعدها. ولو تخلت إسرائيل عن الضفة الغربية وأعادتها للفلسطينيين فإن هذا يعني تكذيبًا بوعد الله في التوراة، وهذا سيؤدي إلى هلاك (( إسـرائيل )) وهلاك أمريكا من بعدها إذا رأتها تخالف كـتاب الله وتقرها على ذلك، ويناشـد (( إيفانز )) الشعب الأمريكي التقدم لتأييـد أفضل صديق لـلولايات المتحدة الأمريكية وذلك بتوقيع إعلان البركة الإسـرائيلي، لأن الرب أمره بوضوح بإنتاج هذا البرنامج الخاص (( بإسرائيل )). أي أن برنامجه الذي تذيعه خمسون محطة وحي من الله إليه بإنتاجه، تبشـير الناس بعودة شعبه إلى أرضـه، وهذا البرنامج يشاهده عـشرات الملايين من الأمريكيين والأوروبيين ومن شعوب أمريكا اللاتينية أيضًا، ومما جاء في هذا الـبرنامج عبارات تقول : (( إن النصـارى في هذه الأيام لن يخلدوا إلى النوم مثل ما نام العالم عندما قررت النازية الألمانـية تحطيم شعب اللّه المختار قبل خمسة وأربعين عامًا )). إيفانز - كـسائر المتـخصـصين في ميـدان الإعلام الديني - يجيد فن الدعاية ويـدرسها ويتقن فنون الإثارة، ومن إثاراته الغريبة والذكية التي تهدف لجذب الشعـور الأمريكي نحو إسرائيل فكرة (( أورشليم دي سي )) فالمعروف أن الأمريكيين يسمون عاصـمتهم واشنطن دي سي تمييزًا لها عن واشنطن الولاية، فقام هذا الرجل بتسمية عاصمة (( إسرائيل )) في نظره (( أورشليم دي سي )) أي (( القـدس دي سي ) وتعني عنده أورشليم عاصمة داود. وقد استطاع تعبئة الشعور الأمريكي بهذه الأفكار. ويقول في بيان (( القـدس دي سي )) موجـهًا الكلام إلى الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي : (( نحن نؤمن بأن الـقدس تـخص اللّه القـدير )) وهذا يعني توجيهًا وضغطا على الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء (( إسرائيل )) على عدم التنازل عن القدس باعتبارها للّه وليس لأحد حق التنازل عنها. ويضيف : (( إن كلمة اللّه غير قابـلة للتفاوض. ونحن نؤمن علاوة على ذلك بأن الكتب المقـدسة تعترف بالقدس عـاصمة روحـية لإسرائـيل، وأن المسيح اليهودي سيعود إليها كذلك )) فمن هو المسيح اليهودي؟ إنه المسيح الدجال! ويضيف : (( ومن أجل هذا تعاهدنا علـى الصلاة من أجل شعب (( إسرائيل )) والوقوف معه في كفاحه من أجل الحرية والسلام )) ويضيف : (( نحن نؤمن بكلمة الله حـينما تقول : سـوف أبارك من يبـاركهم وألـعن من يلعنهم، نحن نؤمن أن من واجب أمريكا الوقوف بجانب (( إسرائيل )) وكلمة اللّه تعترف بالقدس وعلينا واجب الاعتراف بكلمة الله )).

وقد وزع إيفانز بيان (( القـدس دي سي )) على عدد من الأمـريكان، ووصل عدد الذين وقعوا عليه إلى مليون أمريكي، وأرسلوا هذه التوقيعات إلى رئيس أمريكا وإلى رئيس وزراء (( إسرائيل )).

الجزء الثاني

الجزء الرابع

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م