A t h a g a f y
 is presented fully in Arabic and is best experienced using Internet Explorer

شخصية إسلامية حق علينا الإشادة بها

حتى لا ننسى هؤلاء العظماء ونبقي ذكرهم شامخ ، أفردنا هذا الباب لهم ، نهديه إلى قادة الأمة وكافة أفرادها وخاصة شبابها

نقتطف من مواقع الشبكة أو الكتب ، تاريخهم وقصة حياتهم

الأرشيف أو ما نشر من هذه السلسلة

السلطان العثماني مراد الثاني ـ المجاهد الزاهد

بتصرف من مفكرة الإسلام

مقدمة :

تعرض تاريخ أمة الإسلام على مر العصور للتحريف والعبث بأيدي كانت لها مشارب شتى وأهواء مختلفة ....... في خلال هذه المراحل كلها من خارج نطاق المسلمين، فلما وصلنا للحقبة العثمانية التي تشرفت بفتح القسطنطينية وإدخال الإسلام لربوع أوروبا وسهولها ودخل الأوربيون في دين الله أفواجًا غاظ ذلك النصر الحاقدين من صليبيي أوروبا وباباوات روما فشن الكتّاب الأوربيون حربًا شعواء على تاريخ العثمانيين، وسجلوا على خلفائهم كل نقيصة وسلبية ولم يتركوا عيبًا ولا شرًا إلا ألصقوا بهم حتى تأثر السذج من المسلمين بهذا الكلام وأدخل الصليبيون في أذهاننا أن الحكم العثماني كان استعمارًا للعرب، وأنهم محتلون للشرق الأوسط ناهبون لخيراته، وصدق المغفلون هذا الكلام واجتهد الصليبيون في تشويه سيرة خلفاء العثمانيين خصوصًا للحض من مكانتهم كخلفاء لكل المسلمين، ونحن على هذه الصفحة نرفع الغبن الواقع على واحد من هؤلاء السلاطين العظام ونزيل الغشاوة القاتمة من على عيون المسلمين لعلهم يعلمون .

السلطان مراد الثاني :

هو السلطان مراد الثاني به السلطان محمد جلبي بن السلطان بايزيد الصاعقة بن مراد الأول أورخان بن عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية فهو سلطان من نسل السلاطين ولد سنة 806 هـ، وتولى أمر السلطنة بعد وفاة أبيه [محمد جلبي] سنة 824هـن وقد بذل أبوه جهدًا ضخمًا في إعادة ترتيب الدولة العثمانية التي تلقت ضربة قاتلة من تيمورلنك سنة 803 هـ، في معركة سهل أنقرة أدت لتمزيق الدولة الوليدة فقام محمد جلبي بإعادة تجميع الدولة وترتيبها بعد مجهودات وحروب طاحنة مع معارض الحكم العثماني .

كان مراد الثاني في الثامنة عشر من العمر عندما تولى أمر السلطنة وكان عليه أن يعمل على جبهتين لاستكمال البناء المهدم للدولة العثمانية ومتابعة دور أبيه في توحيد البلاد، وكان العمل على جبهتين داخلية وخارجية .

الجبهة الداخلية :

كان يواجه مراد الثاني عدة مشاكل داخلية متمثلة فيما يلي :

1 ـ وجود عدة إمارات في الأناضول ما زالت خارجة عن الدولة العثمانية مثل إمارة القرامان وأيدين ومنتشا وصاروخان والكرميان، وكانت هذه الإمارات قد انفصلت عن جسد الدولة العثمانية بعد معركة سهل أنقرة سنة 803هـ، فأخذ مراد الثاني في الاستيلاء عليها إمارة بعد أخرى تارة بالسلم وتارة بالقتال وتارة بالاستمالة وظل هكذا على هذه الحالة حتى سنة 831هـ، وهي السنة التي انضمت فيها آخر الإمارات الأناضولية [الكرميان]، وانتهت بذلك مشكلة الأناضول، وكان مراد الثاني قد عقد هدنة مع ملك المجر للتفرغ للأناضول .

2 ـ ثاني المشاكل الداخلية التي واجهت مراد الثاني هو عمه [مصطفى بن بايزيد] وكان أسيرً عند إمبراطور القسطنطينية الذي طلب من مراد الثاني عقد هدنة منع قتال، وهذا ما رفضه مراد الثاني فهدده بإطلاق سراح عمه فلم يقبل مرا التهديد، أطلق إمبراطور القسطنطينية الأمير مصطفى وكان محجوزًا بسلانيك وزوده بالسلاح والعساكر لحرب ابن أخيه مراد ونزع السلطنة منه، ووصل مصطفى وحاصر مدينة جاليبولي على شاطئ مضيق الدردنيل، وانتصر مصطفى على الجيش الذي أرسله مراد بقيادة بايزيد باشا، وتابع مصطفى سيره نحو ابن أخيه غير أن قواده خذلوه وشعروا بجريمتهم تجاه الدولة، وحاول مصطفى الفرار، ولكن قبض عليه وأعدم فورًا جزاء خيانته .

3 ـ ثالث المشاكل التي واجهت مراد الثاني هو أخوه الذي نازع أخاه مراد على الملك واحتضنه الإمبراطور عمانويل الثاني إمبراطور القسطنطينية الذي أصرّ على غيه وحربه ضد مراد الثاني، ووضع أخا مراد على رأس قوة استولت على مدينة نيقيا في الأناضول، ولكن مراد استطاع بسرعة حركته أن يقضي على هذه الثورة في سهدها، وهكذا نرى أن الولاء والبراء الذي غاب عن قلوب وعقول هؤلاء الخونة كان سببًا لكثير من المتاعب التي واجهت المسلمين عبر العصور .

الجبهة الخارجية :

بعد أن فرغ مراد الثاني من الجبهة الداخلية، وأكمل ترتيب البيت العثماني من الداخل يمم وجهه ناحية أوروبا لتصفية حسابه مع الحكام الذين أساءوا للعثمانيين، وهم على الترتيب الآتي :

1 ـ إمبراطور القسطنطينية عمانويل الثاني : وهو الذي حرض الثائرين على الدولة العثمانية وقد قرر مراد الثاني معاقبته وبسرعة فاستولى على مدينة سلولينك وذلك سنة 833هـ، وقام بمهاجمة القسطنطينية نفسها وضرب عليها حصارًا طويلاً في شهر رمضان لإثارة حمية الجنود .

ملك المجر [لاديسلاس] : وكان للعثمانيين على المجر جولات كثيرة، وكان المجريون هم أعنف خصوم للعثمانيين في أوروبا في تلك الحقبة، ورأس الحربة في كثير من الصدامات بين الفريقين، وكان مراد الثاني قد عقد هدنة مع ملك المجر عندما أراد توحيد الأناضول حتى لا يفتح على نفسه جبهتين في أقوى الممالك الأوربية في حينها، وقد استطاع مراد الثاني الانتصار على المجريين سنة 842هـ، ويأسر منهم سبعين ألفًا، وتقدم مراد لفتح بلجراد عاصمة الصرب فأسرع الصليبيون وكونوا حلفًا صليبيًا ضد مراد الثاني، واصطدموا مع العثمانيين عدة مرات سنة 846هـ، 848هـ، وانهزم العثمانيون عدة مرات مما دفع مراد الثاني لئن يعقد معاهدة صلح لمدة عشر سنوات في مدينة [سيزجاون] سنة 848هـ، على أني كون نهر الدانوب هو الحد الفاصل بين أملاك الدولتين وأقسم مراد الثاني على احترام المعاهدة، وكذلك اقسم ملك المجر [لايسلاس] على احترام المعاهدة .

فتوحات مراد الثاني :

كان مراد الثاني محبًا للجهاد في سبيل الله شأنه في ذلك شأن سلاطين العثمانيين العظام في أيام قوتهم مع اهتمامه الخاص بنشر دين الإسلام في ربوع أوروبا، وتتمثل فتوحات مراد فيما يلي :

1 ـ استعاد مراد الثاني هيبة الدولة العثمانية داخل أوروبا فاعترف أمير الصرب [جورج برنكوفتش] بدفع الجزية للسلطان وهي عبارة عن خمسين ألف دوك ذهبي، وأن يقدم فرقة من جنوده لمساعدة السلطان في حروبه لصد الصليبيين مع قطع علاقاته مع ملك المجر وتزوج السلطان مراد من ابنته .

2 ـ فتح مراد الثاني ألبانيا سنة 834هـ بعد معارك طاحنة حيث تمكن الألبان من القضاء على جيشين عثمانيين في جبال ألبانيا بل انتصروا على جيوش قادها مراد نفسه مما يدل على ضراوة المقاومة، ولكنها في النهاية أذعنت ثم ما لبثت أن دخل أهل ألبانيا في دين الله أفواجًا .

3 ـ أخضع مراد الثاني بلاد الأفلاق [جنوب رومانيا] وأيضًا بلاد [ترانسلفانيا] [غرب رومانيا] وقد لاقى العثمانيون في تلك المعارك الأهوال والمصاعب العاتية من أجل النصر .

مصيبة مراد الثاني واعتزال :

لم يكد مراد الثاني يستريح من عناء القتال على الجبهة الأوربية العنيدة حتى أصيب بمصيبة كبيرة وهي وفاة أكبر أولاده وولي عهده الأمير علاء الدين، وهو في شرخ الشباب، واشتد حزن مراد الثاني على ولده وزهد في الدنيا والملك ثم نزل عن السلطنة لابنه محمد [الفاتح]، وكان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره ولصغر سنه أحاطه والده ببعض أهل الرأي والنظر من رجال دولته، ثم توجه مراد إلى مدينة [مغنيسيا] في آسيا الصغرى ليقضي بقية حياته في عزلة وعبادة لله عز وجل، ولكنه لم يستمتع بتلك الخلوة كثيرًا .

التحالف الصليبي ضد الدولة العثمانية :

كان بابا روما وهو كبير صليبيي أوروبا يراقب الأحداث والمعارك الطاحنة بين المسلمين والصليبيين وكم سره هزيمة السلطان مراد الثاني، ولكن غضب بشدة من ملك المجر [لاديسلاس] لأنه وقّع عقد هدنة مع مراد الثاني، فأرسل مندوبًا من طرفه هو الكاردينال [سيزاريني] إلى ملك المجر لإقناعه بنقض عهده مع المسلمين بدعوى أنهم كفار لا يجوز التعاهد معهم، وكان [سيزاريتي] عظيم النشاط دائم الحركة لا يكل عن العمل يجد ويسعى قدر جهده لنقض العهود والتأليب على المسلمين، وحمل إليهم رسالة مفادها [أنه باسم الباب يبرى ذمتهم من نكثها ويبارك جنودهم وأسلحتهم وعليهم أن يتبعوا طريقه فإن طريق المجد والخلاص، ومن نازعه ضميره بعد ذلك وخشي الإثم فإنه يحمل عنه وزره وإثمه].

نقض [لاديسلاس] عهد وأعد الجيوش المتحدة، وأتاه الصليبيون من كل حدب وصوب من بولندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا والصرب ورأى [لاديسلاس] أن الفرصة مواتية للهجوم ذلك لأن السلطان مراد الثاني قد اعتزل الملك ومحمد ولده ما زال صغيرًا، وقاموا بالهجوم على مدينة [فارنا] البلغارية الواقعة على ساحل البحر المتوسط .

أرسل رجال الدولة إلى السلطان مراد الثاني في معتكفه يطلبون منه الخروج من عزلته لقيادة الجيوش فخرج الأسد من خلوته ليقود الجيوش واستطاع أن يتفق مع الأسطول الجنوي لينقل أربعين ألفًا من الجيش العثماني من آسيا إلى أوروبا تحت سمع وبصر الأسطول الصليبي وذلك مقابل دينار لكل جندي، واختصر بذلك المسافة ووصل إلى مدينة [فارنا] في نفس اليوم الذي وصل فيه الصليبيون .

وفي يوم 28 رجب سنة 852 هـ دارت رحى حرب طاحنة عنيفة حامية وقد وضع السلطان مراد المعاهدة التي نقضها الصليبيون على رأس رمح طولي ليشهدهم على غورهم وليزيد جنوده حمية وحماسة، وقد استقتل الصليبيون في القتال حتى جاء هذا المشهد الذي قلما يحدث مثله، ولم يحدث مثله منذ أيام الصحابة أمثال خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح، حيث برز السلطان مراد الثاني بنفسه واقتتل مع ملك المجر [لاديسلاس] واستطاع أن يطعنه برمحه طعنة قوية ألقته من على جواده مجروحًا فأسرع أحد أبطال المسلمين واحتز رأس الخائن [لاديسلاس] وألقى الرأس على جيش الصليبيين قائلاً [أيها الكفار هذا رأس ملككم] فانهزم الصليبيون عندها وفروا مدبرين، وكان نصرًا عظيمًا للمسلمين على هذا التحالف الصليبي، وقتل الكلب [سيزاريني] مؤلب الفتنة ومثيرها .

اعتزال مراد ثانيًا :

رغم هذا النصر المبين الذي أخرج بلاد المجر لفترة طويلة من حلبة الصراع مع العثمانيين فإن مراد الثاني لم يغير نيته من اعتزال الملك والزهد في الدنيا حيث دخل مرة أخرى لمعتزله [مغنيسيا] ليعود إلى عبادته وتأمله، ولكنه اضطر للخروج مرة أخرى بعد أن ثار [الانكشارية] على ولده محمد واستصغروه فخرج لهم الأسد مراد الثاني وأدبهم وضبط الأمور ورأى أن يستمر في الحكم حتى يشتد عود ولده محمد في الحكم .

كان مراد الثاني خير ملوك زمانه شرقًا وغربًا مما اشتمل عليه من العقل والحزم والعزم والكرم والشجاعة والسؤدد وأفنى عمره في الجهاد في سبيل الله تعالى، محبًا للعلم والشعر منفقًا على أهل العلم والشعر، وأيضًا كان يرسل صدقات من ماله الخاص لأهل الحرمين وبيت المقدس، فكان تقيًا صالحًا، وبطلاً صنديدًا محبًا للخير ميالاً للرأفة والإحسان وكان بحق مجاهدًا زاهدًا ورغم أنه قد قضى حياته كلها في الجهاد وطلب الموت في مظانه إلا أنه قد مات على فراشه في 5 محرم سنة 855هـ، وقد أوصى إلا يبنى على قبره شيء اتباع السنة في ذلك.
 
 

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م