A t h a g a f y
 is presented fully in Arabic and is best experienced using Internet Explorer

شخصية إسلامية حق علينا الإشادة بها

حتى لا ننسى هؤلاء العظماء ونبقي ذكرهم شامخ ، أفردنا هذا الباب لهم ، نهديه إلى قادة الأمة وكافة أفرادها وخاصة شبابها

نقتطف من مواقع الشبكة أو الكتب ، تاريخهم وقصة حياتهم

الأرشيف أو ما نشر من هذه السلسلة

الأمير شكيب أرسلان

أمير البيان 

 سمير حلبي

نقلا من إسلام أون لاين

شكيب أرسلان

كان "شكيب أرسلان" من أكثر الدعاة إلى الوحدة العربية حماسًا، ومن أشدهم إيمانًا بأهميتها وضرورتها لمواجهة الهجمة الاستعمارية الشرسة على العالم العربي والإسلامي، وللخروج بالأمة العربية من حالة التفكك والتشرذم والضياع التي أرادها لها المستعمر الدخيل؛ حتى يسهل له السيطرة على أهلها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها.

الميلاد والنشأة

ولد شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بقرية الشويفات قرب بيروت ليلة الإثنين (غرة رمضان 1286هـ = 25 من ديسمبر 1869م).

وتضرب أسرته بجذورها في التاريخ، وتحظى من الشرف والمجد بنصيب وافر؛ فقد كان جده الأكبر الأمير "عون" ممن اشترك مع "خالد بن الوليد" في فتوح "الشام". أما أمه فقد كانت سيدة شركسية فاضلة، وقد عمّرت طويلاً، وكان شكيب يحبها ويجلها، وكان متعلقًا بها بدرجة كبيرة.

كان "شكيب أرسلان" متدينًا محافظًا على الصلاة، وكان محبًا للعلم حريصًا على القراءة والاطلاع، وكانت حياته كلها كتابة أو قراءة أو حديث أو رحلة.

وقد تأثر بعدد كبير من أعلام عصره ممن تتلمذ على أيديهم أو اتصل بهم في مراحل متعددة من عمره، وأول أساتذته كان الشيخ "عبد الله البستاني" الذي علمه في "مدرسة الحكمة". كما اتصل بالإمام "محمد عبده" و"محمود سامي الباردوي" و"عبد الله فكري" والشيخ "إبراهيم اليازجي" ، وتعرف إلى "أحمد شوقي" و"إسماعيل صبري" وغيرهم من أعلام الفكر والأدب والشعر في عصره.

كما تأثر بالسيد "جمال الدين الأفغاني" تأثرًا كبيرًا، واقتدى به في منهجه الفكري وحياته السياسية، وكذلك تأثر بعدد من المفكرين والعلماء مثل "أحمد فارس الشدياق" الذي كان شديد الحماس والتأييد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وتأثر أيضًا بالعالم الأمريكي د. "كرينليوس فانديك" الذي كان يدرّس بالجامعة الأمريكية ببيروت، وكان دائم الإشادة به.

محاولات المستعمرين للنيل منه

شبّ "شكيب أرسلان" ليجد الوطن العربي والإسلامي فريسة للمستعمرين والغزاة المحتلين، ومن ثم فقد نما لديه - منذ وقت مبكر- وعي قوي بضرورة الوحدة العربية وأهميتها في مواجهة أطماع المستعمرين ومؤامرات الغزاة لإضعاف الأمة العربية وتفتيتها ليسهل لهم السيطرة عليها.

وقد عني "شكيب أرسلان" بقضية الوحدة العربية عناية شديدة، وأولاها كل اهتمامه، وأوقف عليها حياته كلها، وكانت مقالاته دعوة متجددة إلى قيام تلك الوحدة الكبرى، التي كان يرى فيها الخلاص من حالة الضعف والاستكانة التي سادت الأقطار العربية، وجعلتهم فريسة للمستعمر الأجنبي.

وتعرض "شكيب أرسلان" – بسبب مواقفه الوطنية – للكثير من الاضطهاد من المستعمرين، وحيكت ضده المؤامرات العديدة من الاستعمار ومن أذنابه ممن ينتسبون إلى العروبة وهي منهم براء، كما تعرض لحملات شرسة من التشويه والافتراءات والأكاذيب.

وسعى المحتلون إلى تشويه صورته أمام الجماهير، فاتهمه المفوض الفرنسي السامي المسيو "جوفنيل" بأنه من أعوان "جمال باشا السفاح"، وأنه كان قائدًا لفرقة المتطوعين تحت إمرته، وكان "شكيب" قد تولى قيادة تلك الفرقة من المتطوعين اللبنانيين لمقاومة الدول التي احتلت "لبنان"، وكان من الطبيعي أن يكون تحت إمرة "جمال باشا" باعتباره قائد الفيلق الرابع الذي تنتمي إليه فرقة "شكيب"، واستطاع "شكيب" أن يفند أكاذيبهم، ويفضح زيفهم وخداعهم.

موقفه من الحلفاء والأتراك

كان "شكيب" لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، وكان يعتقد أن الحلفاء لا يريدون الخير للعرب، وإنما يريدون القضاء على الدولة العثمانية أولاً، ثم يقسمون البلاد العربية بعد ذلك. وقد حذر "شكيب أرسلان" قومه من استغلال الأجانب الدخلاء للشقاق بين العرب والترك.

ولكنه حينما رأى الأتراك يتنكرون للخلافة الإسلامية ويلغونها، ويتجهون إلى العلمانية، ويقطعون ما بينهم وبين العروبة والإسلام من وشائج وصلات؛ اتخذ "شكيب" موقفًا آخر من تركيا وحكامها، وبدأ يدعو إلى الوحدة العربية؛ لأنه وجد فيها السبيل إلى قوة العرب وتماسكهم.

وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى حدث ما حذر منه "شكيب أرسلان" فقد برح الخفاء، وتجلت حقيقة خداع الحلفاء للعرب، وظهرت حقيقة نواياهم وأطماعهم ضد العرب والمسلمين، خاصة بعدما تنكر الأتراك للخلافة الإسلامية، واتجهوا اتجاهًا علمانيًا.

مع قضايا التحرر العربي

وظل "شكيب أرسلان" مطاردًا من أكثر من دولة؛ فتركيا تطارده لاهتمامه بقضايا العرب، وحملته على تنكر حكامها للخلافة والإسلام، وإنجلترا وفرنسا تطاردانه لدفاعه عن شعوب الأمة العربية ودعوته إلى التحرر، وتزعمه حملة الجهاد ضد المستعمرين، كما ظل مبعدًا لفترة طويلة من حياته عن كثير من أقطار الوطن العربي، لا يُسمح له بدخولها، خاصة مصر وسوريا اللتين كانتا تشكلان قلب الأمة العربية.

ولم يقتصر دور "شكيب أرسلان" على الاهتمام بقضايا الأمة العربية وإيقاظ الهمم وبعث الوعي الوطني في داخل الوطن العربي فحسب، وإنما انطلق يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم؛ فسافر إلى روما وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر العديد من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الشعوب العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار.

جهود لتوحيد المسلمين

كذلك اهتم "شكيب أرسلان" بأحوال المسلمين في أنحاء العالم المختلفة، ففي عام (1344هـ = 1924م) أسس جمعية "هيئة الشعائر الإسلامية" في "برلين"، وكانت تهدف إلى الاهتمام بأمور المسلمين في "ألمانيا"، وقد تشكلت هذه الجمعية من أعضاء يمثلون معظم الشعوب الإسلامية، وأهم ما يميزها أنها نحت منحى دينيًا بعيدًا عن الشؤون السياسية، وذلك لتلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيدلوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة.

العامل الديني والصراع بين الشرق والغرب

وقد أدرك "شكيب أرسلان" منذ وقت مبكر أثر العامل الديني في الصراع بين الشرق والغرب، وأكد عليه في كثير من كتبه ومقالاته، وأوضح أثر ذلك العامل في إثارة دول الغرب ودعمها لاستعمار الشرق واحتلال العالم الإسلامي، وربط بين الحملات الصليبية القديمة نحو الشرق وأخواتها المعاصرة على أيدي الفرنسيين والإنجليز والألمان، ولكنه كان أشد نقدًا للفرنسيين، فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي حاربت الإسلام والمسلمين، وقد خرجت منها وحدها إحدى عشرة حملة صليبية في مقابل حملة إنجليزية وأخرى ألمانية.

وتناول "شكيب أرسلان" فظائع فرنسا ضد المسلمين في شمال أفريقيا، مؤكدًا أنها حملة عنصرية ضد العروبة والإسلام.

وهو لا يغفل في حديثة الإشادة بسماحة الإسلام والحديث عن جو التسامح والإخاء الذي يعيشه أبناء الوطن العربي من مسلمين ونصارى، موضحًا ما يسود بينهم من السلام والوئام، حيث ينعم الجميع بكل الحقوق والواجبات دون تمييز أو تهميش.

الثورة العربية

لم يشترك "شكيب أرسلان" ولم يشارك في أحداث الثورة العربية التي قامت ضد تركيا سنة (1336هـ = 1916م)، وإنما كان له موقف منها؛ فقد انتقدها وحذر من عواقبها، وقد أدى موقفه هذا إلى أن الكثيرين أساءوا الظن به، ولم يكن "شكيب أرسلان" بدعا في ذلك؛ فقد اتخذ هذا الموقف نفسه عدد كبير من الزعماء والمفكرين كالشيخ "عبد العزيز جاويش" والزعيم "محمد فريد" و"عبد الحميد سعيد" وغيرهم.

ويفسر "شكيب أرسلان" موقفه هذا بأنه اعتقد أن البلاد العربية ستصبح نهبًا للاستعمار، وأنها ستقسم بين إنجلترا وفرنسا.

مؤامرة تقسيم فلسطين

وسعى "شكيب أرسلان" إلى إيقاظ الشعور الوطني لدى أبناء الأمة العربية وتنبيههم إلى الأخطار المحدقة بهم.

وكان من أوائل الذين تنبهوا إلى خطورة سياسة المستعمرين في فلسطين، وسعيهم إلى تقسيمها وإنشاء وطن قومي لليهود فيها، ويؤكد أنه يفضّل الدولة العثمانية الشرقية الإسلامية على احتلال الفرنج الأعداء الغرباء، ولكنه – في الوقت نفسه – يذكر أنه لو علم أن الثورة ضد تركيا ستؤدي إلى استقلال العرب لما سبقه إليها أحد.

ويذكر أن موقفه هذا لم يكن وليد حدس أو تخمين، فقد تجمعت لديه الأدلة والقرائن أن فرنسا وإنجلترا يسعيان لتقسيم سوريا وفلسطين.

وما كادت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها حتى تبين للجميع صحة ما ذهب إليه "شكيب أرسلان" وبعد نظره.

وكان "شكيب" من أوائل الذين تصدوا لخطر الوجود اليهودي في فلسطين، وسعى مخلصًا إلى دعوة العرب إلى جمع الشمل والتصدي لتلك المؤامرة، وحذر أبناء فلسطين من الخلاف والشقاق، لأن ذلك مما يقوي آمال الإنجليز واليهود ويعظم أطماعهم في فلسطين.

مع الجامعة العربية

لعل "شكيب أرسلان" كان من أوائل الدعاة إلى إنشاء الجامعة العربية إن لم يكن أولهم على الإطلاق، ففي أعقاب الحرب العالمي الأولى مباشرة دعا "شكيب أرسلان" إلى إنشاء جامعة عربية، ولما تألفت الجامعة العربية كان سرور "شكيب أرسلان" لها عظيمًا، وكان يرى فيها الملاذ للأمة العربية من التشرذم والانقسامات، والسبيل إلى نهضة عربية شاملة في جميع المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية.

وكان "شكيب" من أشد دعاة الوحدة العربية ومن أكثر المتحمسين لأصالة الثقافة العربية، وكان مولعًا بتمجيد العرب والعروبة، كما كان يضيق بالشعوبية وأهلها، ويراها حركة تخريب لمدنية العرب، وإضعافا لعزائهم، وجمودا لأفضالهم. وكان يقول: إن لكل عصر شعوبية، وشعوبية هذا العصر هم أولئك الأدباء والكتاب الذين يهاجمون العرب والعروبة.

وبلغ من حرصه على هويته وقوميته العربية أنه كان يخطب دائمًا بالعربية في رحلاته إلى أمريكا وأوربا مع تمكنه وإجادته للإنجليزية والفرنسة والتركية وإلمامه بالألمانية.

المفكر والأديب

عاش شكيب أرسلان نحو ثمانين عامًا، قضى منها نحو ستين عامًا في القراءة والكتابة والخطابة والتأليف والنظم، وكتب في عشرات الدوريات من المجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي.

وبلغت بحوثه ومقالاته المئات، فضلاً عن آلاف الرسائل ومئات الخطب، كما نظم عشرات القصائد في مختلف المناسبات.

وقد اتسم أسلوبه بالفصاحة وقوة البيان والتمكن من الأداة اللغوية مع دقة التعبير والبراعة في التصوير حتى أطلق عليه "أمير البيان".

وقد أصدر عددًا كبيرًات من الكتب ما بين تأليف وشرح وتحقيق، ومن أهم تلك الكتب:

- تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى- سنة (1352هـ = 1933م).

- الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر- الطبعة الأولى- سنة (1358هـ = 1939م).

- رواية آخر بني سراج: تأليف : الكونت دي شاتوبريان – ترجمة: شكيب أرسلان – مطبعة المنار بالقاهرة- سنة (1343هـ = 1925م)

- السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة - مطبعة ابن زيدون بدمشق – الطبعة الأولى – سنة (1356هـ = 1937م).

- شوقي، أو صداقة أربعين سنة- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى – سنة (1355هـ = 1936م).

- لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى – سنة (1358هـ = 1939م).

وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية سنة (1365هـ = 1945م) وتحررت سوريا ولبنان، عاد "شكيب أرسلان" إلى وطنه في أواخر سنة (1366هـ = 1946م). فاستُقبل استقبالاً حافلاً.

ولكن حالته الصحية كانت قد ضعفت بعد تلك السنوات الطوال من الكفاح الشاق، والاغتراب المضني، وكثرة الأمراض، فما لبث أن توفي في (15 من المحرم 1366هـ = 9 من ديسمبر 1946م) بعد حياة حافلة بالعناء والكفاح.

أهم مصادر الدراسة:

  • الأمير شكيب أرسلان: حياته وآثاره – سامي الدهان – دار المعارف بمصر – القاهرة- (1380هـ = 1960م).

  • شكيب أرسلان .. داعية العروبة والإسلام (أعلام الغرب: 21) أحمد الشرباصي-المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة – القاهرة (1383 هـ = 1963م).

  • شكيب أرسلان.. من رواد الوحدة العربية.. (مذاهب وشخصيات: 54) – أحمد الشرباصي– الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة- (1383هـ = 1963م).

 

الأمير شكيب أرسلان وإصلاح ذات البين

بقلم /خليل الصمادي

 

موقع التاريخ

 

 

يعد إصلاح ذات البين من مكارم الأخلاق العظيمة ، فقد حث عليها الشرع  في أكثر من مناسبة ، ففي قوله تعالى"فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "التوبة "1" ولأهمية هذه المكرمة جعل لها الإسلام جزءا من مصارف الزكاة تصرف على الغارمين الذين يسعون للإصلاح بين الناس ،  عن الحسن بن علي قال صلى الله عليه وسلم :" أفضل الصدقة إصلاح ذات البين"(1)

 

وجاء في حديث رواه الأصبهاني عن أنس بن مالك" من أصلح بين الناس أصلح الله أمره وأعطاه بكل كلمة تكلم بها عتق رقبة، ورجع مغفورا له ما تقدم من ذنبه"(2).

 

ولم ينس الشعراء فضل إصلاح ذات البين فخلدوه في قصائدهم منه:

 

                       إنّ المكارم كلها لو حصلت                   رجعت بجملتهـا إلى شيئين :

                       تعظيم أمر الله جلَّ جلالـه                   والسعي في إصلاح ذات البين


وفي تاريخنا العربي نماذج كثيرة للساعين في إصلاح ذات البين ، تكلفوا المشاق ، ودفعوا من مالهم الخاص الكثير ، كما فعل الحارث بن عوف وهرم بن سنان ، وهكذا ظلت هذه الخصلة ملازمة للأخلاق العربية ، ولما جاء الإسلام حث عليها ورغب فيها ؛ لذا نجد نماذج كثيرة من الذين أعطاهم الله مالا أو جاها يسعون للتقارب بين الناس ، فالذي حباه الله ميزة تحقق التآلف بين الناس عليه ألا يبخل بها ، ويستغلها في الخير

وكما قال الشاعر حافظ إبراهيم :

                        فإذا رزقت خليقة محمودة                        فقد اصطفاك مقسم الأرزاق

                         فالناس هذا حظه مال وذا                        علم  وذاك  مكارم الأخـلاق


ومن الرجال الذين كان لهم دور في إصلاح ذات البين بين العرب والمسلمين الأمير شكيب أرسلان فقد رزقه الله علما وجاها وهمة عاليه ، استغلها في بيان مصائب أمته ، واستخدم قلمه في مقارعة الاستعمار والاحتلال ، ولم يكتف بهذا بل نجده يطير الآفاق من أجل أن يصلح بين زعيم وزعيم ، أو أمير وأمير ، أو بين قبيلة وقبيلة ، أو بين الأسرة الواحدة . 

وله أياد بيضاء في محو كثير من أسباب سوء التفاهم الذي ينشأ أحياناً بين ملوك العرب ، أو بين أمرائهم ، أو سائر رجالاتهم ، وغالباً ما تكللت مساعيه بالنجاح بفضل ما كان يتمتع به عندهم من نفوذ وإكرام ، ففي سنة 1934 اختير في الوفد الذي شكلته لجنة المؤتمر الإسلامي في القدس لحل الخلاف بين  الملك عبد العزيز بن سعود والإمام يحيى، فكان له الفضل في إزالة البغض والشحناء ، ونظرا لما قام به من جهود مباركة للتقارب بين العرب والمسلمين منحه الملك عبد العزيز جنسية بلاده  ، وقد كتب اسمه في جواز سفره" عطوفة الأمير شكيب أرسلان" .

 

ونظر إلى الفرقة التي كانت بين أبناء بلاد الحضارمة من الإرشاديين والعلويين إلى أندنوسيا   فطار هناك، وكان يراها ر أس البلاء؛ فقد تنازعت الطائفتان نزاعا مريرا ، وكاد الفشل يعصف بهم ، وفي ذلك  يقول الشاعر زين العابدين بن أحمد الجنيد العلوي في قصيدته "حال حضر موت الاجتماعية" التي قالها عام  (1930م):

                        جُلُّ أُمْنيَّتي صَـــلاحُ  بـلادي                     أَتُـراهُ  بها يُسَــــرُّ فؤادي؟                                  
                        ليْتَ شعري وهلُ يُفيـدُ  التَّمـنِّي                 هلْ يُبَلِّغنيَ الزَّمَـــانُ مُرادي
                       هل تعودُ حياةُ شعْـبٍ نـراهُ  الـ                   يـومَ تـنتابهُ يدُ  الاضطـــهادِ
                       هلْ  تعودُ حياةُ شَعْـبٍ عظيــمٍ                    فُـصِمَتْ عنْهُ عروةُ  الاتِّحــادِ؟
                       إنَّ منْ لمْ يكُـــنْ لدَيْـهِ شُعورٌ                    بـانْـحِطاطٍ  بلادُهُ  كـــالْجَمادِ
                        فالزموا الاتِّحادَ فهْـو لعيْـنِ 
                     فوْزِ لوْ تعْلمـونَ مثْـلَ السَّـواد

فتدخل فيها مع محمد رشيد رضا وعملا جاهدين  لإطفاء نار الفتنة بين الفريقين، وتم لهما ما أرادا.

 

كذلك اهتم " بأحوال المسلمين في أنحاء العالم المختلفة، ففي عام (1344هـ = 1924م) أسس جمعية "هيئة الشعائر الإسلامية" في "برلين"، وكانت تهدف إلى الاهتمام بأمور المسلمين في "ألمانيا"، وقد تشكلت هذه الجمعية من أعضاء يمثلون معظم الشعوب الإسلامية، وأهم ما يميزها أنها نحت منحى دينيًا بعيدًا عن الشؤون السياسية، وذلك لتلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيدلوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة ، ومن خلال هذه الجمعية أرسى مبادئ إصلاح ذات البين بين أعضائها من جهة وبينهم وبين العرب والمسلمين من جهة أخرى.

 

كما انتخب شكيب في تموز 1926 في لجنة رئاسة مؤتمر الخلافة، وحركة مؤتمر الخلافة حركة إسلامية عارمة ثارت بعد قرار كمال أتاتورك إلغاء الخلافة في آذار 1924 ، وقطع روابط تركيا بالعرب والمسلمين ،  وقام بعدة مأموريات   عام 1902 في جبل حوران لإقناع الثوار من بني ملَّته هناك بالرجوع إلى طاعة الدولة العثمانية، وكان حاسماً وواضحاً في موقفه من ضرورة وحدتهم ، والتفافهم حول الدولة في تلك المرحلة التي تكالب عليها الطامعون من كل حدب وصوب ، فقد كان الأمير يرى أن الالتفاف مع الدولة العثمانية بالرغم مما وصلت إليه من ضعف وتدهور خير من الالتفاف مع الدول الاستعمارية الطامعة بأرضنا ، بالرغم من الوعود الكاذبة التي لا تنطلي على العارفين ببواطن الأمور.

 

ولما ذاعت شهرته في الأفاق وعرفه أهل الخير فيما يسعى إليه دعاه عرب المهجر في أمريكا الشمالية إلى ترؤس مؤتمرهم المنعقد في (ديترويت) فلبى الدعوة عام 1927، وسافر إلى أمريكا بعد أن طاف في روسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قابل خلال زياراته الجاليات العربية مؤكدا على التآلف والتفاهم ، وفي هذه البلدان أخذ يغذي الصحف العربية في كل مكان بالمقالات التي تؤلف بين المسلمين ، وتبصرهم بما يخطط له الأعداء.

 

وعندما اشتدت الهجرة اليودية إلى فلسطين أدرك شكيب أرسلان الخطر الذي سيحدق بالبلاد فعمل جاهدا من أجل القضية ، ولما رأى أن زعماء فلسطين يتناحرون فيما بينهم على زعامات فارغة حذرهم من الخلاف والشقاق ؛ لأن ذلك مما يقوي آمال الإنجليز واليهود ، ويعظم أطماعهم في فلسطين.

 

والزائر لمدينة السويداء السورية يسمع مثلا متداولا بين أهلها يضرب للزهد في الشيء ، وهذا المثل " بلاكِ يا أم حارتين" وإذا سأل السامع عن قصته يقال له : قبل أكثر من سبعين عاما وفي بداية الأربعينات حدثت حربا ضروسا بين قبيلتي" الحلبي والمغويش" بسبب النزاع على ملكية قرية صغيرة تسمى " أم حارتين" وراح ضحية تلك الحروب والنزعات عشرات القتلى من الطرفين ، ولما علم الأمير شكيب أرسلان بما جرى توجه إلى السويداء ، وجمع المتخاصمين في مضارب أعدت خصيصا لهذه المناسبة ، وتكلم كل زعيم بأحقيته في ملكية قبيلته للقرية الصغيرة ، وبعد أن أنهى الطرفان مرافعتهما وقف الأمير قائلا : الآن سأقول رأيي وكلامي فصل في هذه القضية أتوافقون ؟ رد القوم نوافق، قال الأمير لزعيم قبيلة الحلبي" بلاكِ يا أم حارتين" .

 

وهكذا انتهى صراع دام سنوات عديدة بين قبيلتين متناحرتين على زعامة قرية صغيرة ، وهكذا يضرب لنا شكيب أرسلان أروع الأمثال في جهوده الرامية للإصلاح بين ذات البين ، ولا سيما في أوقات كان العرب والمسلمون في أشد الحاجة إليها ، فالمستعمر يبني سياسته على قاعدة " فرق تسد" وفي ظل هذه السياسة ينفذ خططه الاستعمارية ، فقد يستميل طرفا على حساب طرف آخر ، ولكن إذا كانت البلاد موحدة لا مكان للفرقة فيها فيصعب احتلالها ، فيسعى إلى تمزيقها ، وبذر الشقاق بين أهلها، وما أحوجنا اليوم إلى مصلحين ممن أعطاهم الله المال أو الجاه أو كليهما للسعي للإصلاح بين الناس كما فعل مالك بن عوف وهرم بن سنان ، ومن بعدهما الأمير شكيب أرسلان أمير البيان.


 

1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ج 3 ص 394

2) المنذري  : الترغيب والترهيب ج3 ص 489

 

 

 

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م