A t h a g a f y
 is presented fully in Arabic and is best experienced using Internet Explorer

شخصية إسلامية حق علينا الإشادة بها

حتى لا ننسى هؤلاء العظماء ونبقي ذكرهم شامخ ، أفردنا هذا الباب لهم ، نهديه إلى قادة الأمة وكافة أفرادها وخاصة شبابها

نقتطف من مواقع الشبكة أو الكتب ، تاريخهم وقصة حياتهم

الأرشيف أو ما نشر من هذه السلسلة

سيد قطب.. الأديب والمصلح الاجتماعي

بتصرف من صيد الفوائد

نبدأ موضوعنا هذا عن سيد قطب رحمه الله بهذا السؤال الذي تلقاه

فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله :

كثرت الأقوال في سيد قطب رحمه الله ، فهذا ينزهه من كل خطأ، وذاك يجعله في عداد الفاجرين بل الكافرين فما هو الحق في ذلك ؟

الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد

فإن المفكر الأديب سيد قطب رحمه الله له أعداء كثيرون، يختـلفون في كيفية النقد وأهدافه والغايات منه، ويتـفـقون في مصالح مشتركة، وقبل أن أكشف بطلان مثالب الجراحين والمطاعن الموجهة إلى سيد رحمه الله ، أبين أولا لماذا يستهدف سيد قطب خاصة ؟ ومن المستفيد من إسقاطه ؟

إن سيدا رحمه الله يعد في عصره علما من أعلام أصحاب منهج مقارعة الظالمين والكفر بهم ، ومن أفذاذ الدعاة إلى تعبيد الناس لربهم والدعوة إلى توحيد التحاكم إلى الله ، فلم يقض إلا مضاجع أعداء الله ورسوله كجمال عبدالناصر وأمثاله .. وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك، ولقد ضاق أولئك الأذناب بهذا البطل ذرعا، فلما ظنوا أنهم قد قتلوه إذا بدمه يحيي منهجه ويشعل كلماته حماسا، فزاد قبوله بين المسلمين وزاد انتشار كتبه، لأنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة منهجه، فسعوا إلى إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا وأنى لهم ذلك.

فاستهداف سيد قطب رحمه الله لم يكن استهدافا مجردا لشخصه، فهو ليس الوحيد من العلماء الذي وجدت له العثرات، فعنده أخطاء لا ننكرها، ولكن الطعن فيه ليس لإسقاطه هو بذاته فقد قدم إلى ربه ونسأل الله له الشهادة، ولكن الذي لا زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي يخشون أن ينتشر بين أبناء المسلمين .

وإني إذ اسمع الطعن في سيد قطب رحمه الله لا أستغرب ذلك لقوله الله تعالى: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا } فكل من معه نور من النبوة أيضا له أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من ميراث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فما يضير سيدا طعن الطاعنين، بل هو رفعة له وزيادة في حسناته، ولكن الذي يثير الاستغراب هو فعل أولئك القوم الذين يدّعون اتباع الحق ومع ذلك ينقصون الميزان ولا يزنون بالقسطاس المستقيم والله يقول: { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } , فأولئك إذا أرادوا مدح أحد عليه من المآخذ ما يفوق سيدا بأضعاف قالوا كلمتهم المشهورة "تغمس أخطاؤه في بحر حسناته" وقالوا "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وغير ذلك، وإذا أرادوا ذم آخر كسيد رحمه الله الذي يعد مجددا في باب ( إن الحكم إلا لله ) سلكوا معه طريق الخوارج وكفروه بالمعاصي والزلات .

وسيد رحمه الله لا ندعي له العصمة من الخطأ، بل نقول إن له أخطاء ليس هذا مجال تفصيلها، ولكنها لا تخل بأصل دعوته ومنهجه، كما أن عند غيره من الأخطاء التي لم تقدح في منـزلتهم وعلى سبيل المثال ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن حزم، فهؤلاء لهم أخطاء في العقيدة إلا أن أخطاءهم لم تجعل أحدا من أبناء الأمة ولا أعلامها يمتـنع من الاستفادة منهم أو يهضمهم حقهم وينكر فضائلهم ، فهم أئمة إلا فيما أخطئوا فيه، وهذا الحال مع سيد رحمه الله فأخطاؤه لم تقدح في أصل منهجه ودعوته لتوحيد الحاكمية وتعبيد الناس لربهم.

والقاعدة التي يجب أن تقرر في مثل هذه الحالات هي ما يستفاد من قول الله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } فكل من حقق ما يجب تحقيقه من أصل الدين، ينظر بعد ذلك في سائر منهجه فإن كان خطؤه أكثر من صوابه وشره يغلب على نفعه فإنه يهمل قوله وتطوى كتبه ولا تروى ، وعلى ذلك فالقول الفصل في سيد رحمه الله أن أخطاءه مغمورة في جانب فضائله ودفاعه عن ( لا إله إلا الله )، لا سيما أنه حقق أصول المعتقد الصحيح ، وإن كان عليه بعض المآخذ وعبارات أطلقها لا نوافقه عليها رحمه الله .

وختاما لا يسعني إلا أن اذكر أنني أحسب سيدا والله حسيبه يشمله قوله عليه الصلاة والسلام ( سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) فنحسب أن سيدا رحمه الله قد حقق ذلك الشرط حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله .. وأنقل كلمة له رحمه الله قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند سماعه نبأ الحكم عليه بالإعدام "الشهادة" وتعجب لأنه لم يحزن ويكتئب وينهار ويحبط فسأله قائلا : أنت تعتـقد أنك ستكون شهيدا فما معنى شهيد عندك؟ أجاب رحمه الله قائلا : الشهيد هو الذي يقدم شهادة من روحه ودمه أن دين الله أغلى عنده من حياته، ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين الله .

وله رحمه الله من المواقف والأقوال التي لا يشك عارف بالحق أنها صادرة عن قلب قد مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب التضحية لدينه، نسأل الله أن يرحمنا ويعفو عنا وإياه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

سيد قطب.. الأديب والمصلح الاجتماعي

من الإسلام أون لاين

معظم ما كُتب عن سيد قطب تَرَكَّزَ حول فكره وجهاده أو سجنه وتعذيبه وإعدامه، ولكنه لا يُلمّ بحياة هذا الشهيد وجوانبها الأدبية والإصلاحية، كما أنه يهمل فترة الضياع الروحي والصراع النفسي التي أعقبها انضمامه للحركة الإسلامية الإصلاحية، وتبنيه لقضية العدالة الإسلامية دون أن تعرف أن حياته سلسلة متصلة الحلقات لم تشهد تحولاً مفاجئًا أو تغييرًا غامضًا!

نشأة قروية

ولد سيد قطب مولدًا خاصة لأسرة شريفة في مجتمع قروي (صعيدي) في يوم 9/10/1906م بقرية موشا بمحافظة أسيوط، وهو الابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تعامله معاملة خاصة وتزوده بالنضوج والوعي حتى يحقق لها أملها في أن يكون متعلمًا مثل أخواله

كما كان أبوه راشدًا عاقلاً وعضوًا في لجنة الحزب الوطني وعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، واتصف بالوقار وحياة القلب، يضاف إلى ذلك أنه كان دَيِّنًا في سلوكه.

ولما كتب سيد قطب إهداء عن أبيه في كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" قال: "لقد طبعتَ فيّ وأنا طفل صغير مخافة اليوم الآخر، ولم تعظني أو تزجرني، ولكنك كنت تعيش أمامي، واليوم الآخر ذكراه في ضميرك وعلى لسانك.. وإن صورتك المطبوعة في مُخيلتي ونحن نفرغ كل مساء من طعام العشاء، فتقرأ الفاتحة وتتوجه بها إلى روح أبيك في الدار الآخرة، ونحن أطفالك الصغار نتمتم مثلك بآيات منها متفرقات قبل أن نجيد حفظها كاملات".

وعندما خرج إلى المدرسة ظهرت صفة جديدة إلى جانب الثقة بالذات من أمه والمشاعر النبيلة من أبيه وكانت الإرادة القوية، ومن شواهدها حفظه القرآن الكريم كاملاً بدافع من نفسه في سن العاشرة؛ لأنه تعود ألا يفاخره أبناء الكتاتيب بعد إشاعة بأن المدرسة لم تعد تهتم بتحفيظ القرآن.

وفي فورة الإحساس والثقة بالنفس كان لظروف النضال السياسي والاجتماعي الممهدة لثورة 1919 أثر في تشبعه بحب الوطن، كما تأثر من الثورة بالإحساس بالاستقلال وحرية الإرادة، وكانت دارهم ندوة للرأي، شارك سيد قطب فيها بقراءة جريدة الحزب الوطني، ثم انتهى به الأمر إلى كتابة الخطب والأشعار وإلقائها على الناس في المجامع والمساجد.

الاستقرار في القاهرة

ذهب سيد قطب إلى القاهرة في سن الرابعة عشرة وضمن له القدر الإقامة عند أسرة واعية وجهته إلى التعليم وهي أسرة خاله الذي يعمل بالتدريس والصحافة، وكان لدى الفتى حرص شديد على التعلم

إلا أنه في القاهرة واجه عقبات محصته تمحيصًا شديدًا جعلته يخرج من الحياة برؤية محددة قضى نحبه –فيما بعد- من أجلها.

والتحق سيد قطب أولاً بإحدى مدارس المعلمين الأولية –مدرسة عبد العزيز- ولم يكد ينتهي من الدراسة بها حتى بلغت أحوال الأسرة درجة من السوء جعلته يتحمل المسئولية قبل أوانه، وتحولت مهمته إلى إنقاذ الأسرة من الضياع بدلاً من استعادة الثروة وإعادة المجد.

واضطر إلى العمل مدرسًا ابتدائيًا حتى يستعين بمرتبه في استكمال دراسته العليا من غير رعاية من أحد اللهم إلا نفسه وموروثاته القديمة. وكان هذا التغير سببًا في الاحتكاك المباشر بالمجتمع الذي كان لا بد له من أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب القرويين وتجربتهم.

فالمجتمع الجديد الذي عاش فيه انقلبت فيه موازين الحياة في المدينة السليمة، وبدت في القاهرة سوءات الاحتلال الأجنبي ومفاسد السياسة؛ حيث سادت عوامل التمزق الطبقي والصراع الحزبي وغدت المنفعة وما يتبعها من الرياء والنفاق والمحسوبية هي الروح التي تسري، ويصف عبد الرحمن الرافعي هذا المجتمع بأنه "مجتمع انهارت فيه الثقافة العربية أمام الثقافة الغربية التي تؤمن بالغرب حتى بلغت في بعض الأحيان حد التطرف في الإيمان بالغرب وبمبادئه إيمانًا مطلقًا". فكيف يواجهها هذا الشاب الناشئ المحافظ الطموح؟

كانت صلته بهذا المجتمع صلة تعليم، ثم أصبح الآن مشاركًا فيه، وعليه أن يختار ما بين السكون والعزلة، وبالتالي عدم إكمال تعليمه أو الحركة والنشاط، واختار سيد قطب المواجهة مع ما ينبت معها من عناصر الإصرار والتحدي وعدم الرضا بهذا الواقع المؤلم.

ارتحال فكري

واختار سيد قطب حزب الوفد ليستأنس بقيادته في المواجهة، وكان يضم وقتذاك عباس محمود العقاد وزملاءه من كتاب الوفد، وارتفعت الصلة بينه وبين العقاد إلى درجة عالية من الإعجاب لما في أسلوب العقاد من قوة التفكير ودقة التغيير والروح الجديدة الناتجة عن الاتصال بالأدب الغربي.

ثم بلغ سيد قطب نهاية الشوط وتخرج في دار العلوم 1933 وعين موظفًا –كما أمل وأملت أمه معه- غير أن مرتبه كان ستة جنيهات ولم يرجع بذلك للأسرة ما فقدته من مركز ومال؛ فهو مدرس مغمور لا يكاد يكفي مرتبه إلى جانب ما تدره عليه مقالاته الصحفية القيام بأعباء الأسرة بالكامل.

وهذه الظروف التي حرمته من نعيم أسلافه منحته موهبة أدبية إلا أن الأساتذة من الأدباء –كما يصفهم- كانوا: "لم يروا إلا أنفسهم وأشخاصهم فلم يعد لديهم وقت للمريدين والتلاميذ، ولم تكن في أرواحهم نسمة تسع المريدين والتلاميذ" كل هذا أدى إلى اضطرابه وإحساسه بالضياع إلى درجة –وصفها الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه "مذكرات سائح من الشرق" انقطعت عندها كل صلة بينه وبين نشأته الأولى وتبخرت ثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية" ولكن دون أن يندفع إلى الإلحاد، وكان دور العقاد حاسمًا في ذلك.

وانتقل سيد قطب إلى وزارة المعارف في مطلع الأربعينيات، ثم عمل مفتشًا بالتعليم الابتدائي في عام 1944 وبعدها عاد إلى الوزارة مرة أخرى، وفي تلك الفترة كانت خطواته في النقد الأدبي قد اتسعت وتميزت وظهر له كتابان هما: "كتب وشخصيات"، "والنقد الأدبي – أصوله ومناهجه".

وبعد ميدان النقد سلك سيد قطب مسلكًا آخر بعيدًا: بكتابه "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقى مقابلة طيبة من الأوساط الأدبية والعلمية فكتب: "مشاهد القيامة في القرآن" ووعد بإخراج: "القصة بين التوراة والقرآن" و"النماذج الإنسانية في القرآن"، و"المنطق الوجداني في القرآن"، و"أساليب العرض الفني في القرآن"، ولكن لم يظهر منها شيء.

وأوقعته دراسة النص القرآني على غذاء روحي لنفسه التي لم تزل متطلعة إلى الروح. وهذا المجال الروحي شده إلى كتابة الدراسات القرآنية فكتب مقالاً بعنوان "العدالة الاجتماعية بمنظور إسلامي" في عام 1944.

ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها زادت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية سوءًا وفسادًا وكانت جماعة الإخوان المسلمين هي أوضح الجماعات حركة وانتشارًا حتى وصلت لمعاقل حزب الوفد كالجامعة والوظائف والريف، وأخذت تجذب بدعوتها إلى الإصلاح وقوة مرشدها الروحية المثقفين، وأخذت صلة سيد قطب بالجماعة تأخذ شكلاً ملموسًا في عام 1946 ثم ازدادت حول حرب فلسطين 1948.

وفي هذا الاتجاه ألف سيد قطب كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وأهداه إلى الإخوان؛ ثم سافر إلى أمريكا وعند عودته أحسنوا استقباله، فأحسن الارتباط بهم وأكد صلته حتى أصبح عضوًا في الجماعة.

الرحلة إلى أمريكا

وجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصف قطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبي المطلق.

ولكن المرور بها مكنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنه رفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفة الإغريقية.

فكان من المنتظر حين يوم 3/11/1948 في بعثة علمية من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج ألا تبهره الحضارة الأمريكية المادية ووجدها خلوا من أي مذهب أو قيم جديدة، وفي مجلة الرسالة كتب سيد قطب مقالا في عام 1951 بعنوان: "أمريكا التي رأيت" يصف فيها هذا البلد بأنه: "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك".

المصلح والأديب

امتلك سيد قطب موهبة أدبية قامت على أساس نظري وإصرار قوي على تنميتها بالبحث الدائم والتحصيل المستمر حتى مكنته من التعبير عن ذاته وعن عقيدته يقول: "إن السر العجيب – في قوة التعبير وحيويته – ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، وإنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلول، وإن في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، المعنى المفهوم إلى واقع ملموس".

وكان سيد قطب موسوعيًا يكتب في مجالات عديدة إلا أن الجانب الاجتماعي استأثر بنصيب الأسد من جملة كتاباته، وشغلته المسألة الاجتماعية حتى أصبحت في نظره واجبًا إسلاميًا تفرضه المسئولية الإسلامية والإنسانية، وهذا يفسر قلة إنتاجه في القصة التي لم يكثر فيها بسبب انشغاله بالدراسات النقدية ومن بعدها بالدراسات والبحوث الإسلامية.

وطوال مسيرته ضرب سيد قطب مثل الأديب الذي غرس فيه الطموح والاعتداد بالنفس، وتسلح بقوة الإرادة والصبر والعمل الدائب؛ كي يحقق ذاته وأمله، اتصل بالعقاد ليستفيد منه في وعي واتزان، ولم تفتنه الحضارة الغربية من إدراك ما فيها من خير وشر، بل منحته فرصة ليقارن بينها وبين حضارة الفكر الإسلامي، وجمع بينه وبين حزب الوفد حب مصر ومشاعر الوطنية، وجمع بينه وبين الإخوان المسلمين حب الشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع إسلامي متكامل. واستطاع بكلمته الصادقة أن يؤثر في كثير من الرجال والشباب التفوا حوله رغم كل العقبات والأخطار التي أحاطت بهم، وأصبح من الأدباء القلائل الذين قدموا حياتهم في سبيل الدعوة التي آمنوا بها.

العودة والرحيل

عاد سيد قطب من أمريكا في 23 أغسطس 1950 ليعمل بمكتب وزير المعارف إلا أنه تم نقله أكثر من مرة حتى قدم استقالته في 18 أكتوبر 1952، ومنذ عودته تأكدت صلته بالإخوان إلى أن دُعي في أوائل عام 1953 ليشارك في تشكيل الهيئة التأسيسية للجماعة تمهيدًا لتوليه قسم الدعوة،.

وخاض مع الإخوان محنتهم التي بدأت منذ عام 1954 إلى أن أُعدم في عام 1966. وبدأت محنته باعتقاله – بعد حادث المنشية في عام 1954(اتهم الإخوان بمحاولة إغتيال الرئيس المصرى جمال عبد الناصر) – ضمن ألف شخص من الإخوان وحكم عليه بالسجن 15 سنة ذاق خلالها ألوانًا من التعذيب والتنكيل الشديدين، ومع ذلك أخرج كتيب "هذا الدين" و"المستقبل لهذا الدين"، كما أكمل تفسيره "في ظلال القرآن".

وأفرج عنه بعفو صحي في مايو 1964 وكان من كلماته، وقتذاك: أن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلة في التربية والإعداد وأنها لا تجئ عن طريق إحداث انقلاب.

وأوشكت المحنة على الانتهاء عندما قبض على أخيه محمد قطب يوم 30/7/1965 فبعث سيد قطب برسالة احتجاج إلى المباحث العامة؛ فقبض عليه هو الآخر 9/8/1965 وقدم مع كثير من الإخوان للمحاكمة، وحكم عليه وعلى 7 آخرين بالإعدام، ونفذ فيه الحكم في فجر الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس 1966.

من مؤلفاته:

طفل من القرية (سيرة ذاتية).
المدينة المسحورة (قصة أسطورية).
النقد الأدبي – أصوله ومناهجه.
التصوير الفني في القرآن.
مشاهد القيامة في القرآن.
معالم على الطريق.
المستقبل لهذا الدين.
هذا الدين.
في ظلال القرآن.
كيف وقعت مراكش تحت الحماية الفرنسية؟
الصبح يتنفس (قصيدة)
قيمة الفضيلة بين الفرد والجماعة.
حدثيني (قصيدة).
الدلالة النفسية للألفاظ والتراكيب العربية.
هل نحن متحضرون؟
هم الحياة (قصيدة)
وظيفة الفن والصحافة.
العدالة الاجتماعية.
شيلوك فلسطين أو قضية فلسطين.
أين أنت يا مصطفى كامل؟
هتاف الروح (قصيدة).
تسبيح (قصيدة).
فلنعتمد على أنفسنا.
ضريبة الذل.
أين الطريق؟.
 

كيف قتل سيد قطب

 

إن في بذل العلماء والدعاة والمصلحين أنفسهم في سبيل الله حياة للناس ، إذا علموا صدقهم ؛ وإخلاصهم لله عز وجل .
ومن هؤلاء الدعاة والمفكرين.. " سيد قطب " رحمه الله ، فقد كان لمقتله أثر بالغ في نفوس من عرفوه وعلموا صدقه ، ومنهم اثنان من الجنود الذين كلفوا بحراسته وحضروا إعدامه .
يروي أحدهما القصة فيقول :


هناك أشياء لم نكن نتصورها هي التي أدخلت التغيير الكلي على حياتنا.. في السجن الحربي كنا نستقبل كل ليلة أفرادا أو جماعات من الشيوخ والشبان والنساء ، ويقال لنا : هؤلاء من الخونة الذين يتعاونون مع اليهود ولابد من استخلاص أسرارهم ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأشد العذاب ، وكان ذلك كافيا لتمزيق لحومهم بأنواع السياط والعصي ، كنا نفعل ذلك ونحن موقنون أننا نؤدي واجبا مقدسا ، إلا أننا ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا أمام أشياء لم نستطع لها تفسيرا ، لقد رأينا هؤلاء " الخونة " مواظبين على الصلاة أثناء الليل وتكاد ألسنتهم لا تفتر عن ذكر الله ، حتى عند البلاء ! بل إن بعضهم كان يموت تحت وقع السياط ، أو أثناء هجوم الكلاب الضارية عليهم ، وهم مبتسمون ومستمرون على الذكر .

ومن هنا.. بدأ الشك يتسرب إلى نفوسنا.. فلا يعقل أن يكون مثل هؤلاء المؤمنين الذاكرين من الخائنين المتعاملين مع أعداء الله .
واتفقت أنا وأخي هذا سرا على أن نتجنب إيذاءهم ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ، وأن نقدم لهم كل ما نستطيع من العون .
ومن فضل الله علينا أن وجودنا في ذلك السجن لم يستمر طويلا.. وكان آخر ما كلفنا به من عمل هو حراسة الزنزانة التي أفرد فيها أحدهم ، وقد وصفوه لنا بأنه أخطرهم جميعا ، أو أنه رأسهم المفكر وقائدهم المدبر ( هو سيد رحمه الله ) .

وكان قد بلغ به التعذيب إلى حد لم يعد قادرا معه على النهوض ، فكانوا يحملونه إلى المحكمة العسكرية التي تنظر في قضيته .
وذات ليلة جاءت الأوامر بإعداده للمشنقة ، وأدخلوا عليه أحد الشيوخ !! ليذكره ويعظه !! وفي ساعة مبكرة من الصباح التالي أخذت أنا وأخي بذراعيه نقوده إلى السيارة المغلقة التي سبقنا إليها بعض المحكومين الآخرين..

وخلال لحظات انطلقت بنا إلى مكان الإعدام.. ومن خلفنا بعض السيارات العسكرية تحمل الجنود المدججين بالسلاح للحفاظ عليهم..
وفي لمح البصر أخذ كل جندي مكانه المرسوم محتضنا مسدسه الرشاش ، وكان المسئولون هناك قد هيئوا كل شئ.. فأقاموا من المشانق مثل عدد المحكومين.. وسيق كل مهم إلى مشنقته المحددة ، ثم لف حبلها حول عنقه ، وانتصب بجانب كل واحدة " العشماوي " الذي ينتظر الإشارة لإزاحة اللوح من تحت قدمي المحكوم.. ووقف تحت كل راية سوداء الجندي المكلف برفعها لحظة التنفيذ .

كان أهيب ما هنالك تلك الكلمات التي جعل يوجهها كل من هؤلاء المهيئين للموت إلى إخوانه ، يبشره بالتلاقي في جنة الخلد ، مع محمد وأصحابه ، ويختم كل عبارة بالصيحة المؤثرة : الله أكبر ولله الحمد .
وفي هذه اللحظات الرهيبة سمعنا هدير سيارة تقترب ، ثم لم تلبث أن سكت محركها ، وفتحت البوابة المحروسة ، ليندفع من خلالها ضابط من ذوي الرتب العالية ، وهو يصيح بالجلادين : مكانكم !


ثم تقدم نحو صاحبنا الذي لم نزل إلى جواره على جانبي المشنقة ، وبعد أن أمر الضابط بإزالة الرباط عن عينيه ، ورفع الحبل عن عنقه ، جعل يكلمه بصوت مرتعش : يا أخي.. يا سيد.. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس – الحليم الرحيم !!! – كلمة واحدة تذيلها بتوقيعك ، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء . ولم ينتظر الجواب ، وفتح الكراس الذي بيده وهو يقول : اكتب يا أخي هذه العبارة فقط : " لقد كنت مخطئا وإني أعتذر ... " . ورفع سيد عينيه الصافيتين ، وقد غمرت وجهه ابتسامة لا قدرة لنا على وصفها.. وقال للضابط في هدوء عجيب : أبدا.. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول !

قال الضابط بلهجة يمازجها الحزن : ولكنه الموت يا سيد...!
فأجاب سيد : " يا مرحب بالموت في سبيل الله .. " ، الله أكبر !! هكذا تكون العزة الإيمانية ، ولم يبق مجال للاستمرار في الحوار ، فأشار الضابط بوجوب التنفيذ .


وسرعان ما تأرجح جسد سيد رحمه الله وإخوانه في الهواء.. وعلى لسان كل منهم الكلمة التي لا نستطيع لها نسيانا ، ولم نشعر بمثل وقعها في غير ذلك الموقف ، " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .. " .
 

وهكذا كان هذا المشهد سببا في هدايتنا واستقامتنا ، فنسأل الله الثبات .
 

من موقع ديننا
( مجلة الدعوة / العدد 1028 )

 

سيد قطب .. كما قرأته وفهمتــــه ..!

 الدكتور محمد الحضيف

يمثل حضور سيد قطب رحمه الله ، علامة في مسيرة حركة الفكر الإسلامي المعاصر. هناك كتاب إسلاميون كثيرون، لكن المفكرين محدودون ، لا يكادون يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.. أبرزهم سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي .. وآخرون . اختلف سيد عن الآخرين ـ في تقديري ـ في أمرين . أولهما : أن آراءه كانت قطعية، حدية، واضحة الحدود و (المعالم) . الأمر الثاني ، أن سيّد لم تكن علاقته بآرائه وأفكاره (طوباوية) مثالية، بل تمثلها وعاش عليها، ومات من أجلها.
من يقرأ لسيد قطب في (الظلال) مثلاً، يكاد يتنبأ بنهايته، ومن يقرأ له في (المعالم) يكاد يعيش معه نفسًا نفسًا، إلى أن يصعد هو وإيّاه إلى خشبة المشنقة .. وما أن يطوي صفحة الغلاف الأخير ، حتى يرى سيد يتدلّى من حبلها، ويحس بدمعتين تطفران من عينيه . ارتبط سيد بعدد من المفاهيم والمصطلحات ، شكلت بمجموعها ، منظومة فكرية ، مثلث قوام بنائه الفكري .. ولأنه انتهى نهاية أسطورية ، من خلال (دراما) : ( الدكتاتورية ضد العقل والفكر) ، فقد طغت شخصيته .. ثوريًا ، ومجاهدًا ، وشهيدًا .. على شخصيته مفكرًا ، وصاحب مشروع حضاري .
إن نهاية سيد ، لم تجعله شهيدًا للفكر فقط، بل ألهبت خيالات ،كثير من شباب الحركة الإسلامية ، الذين رأوا في موته، بالطريقة التي تمت بها، مقصدًا علويًا، غائيًا، لما يجب أن تكون عليه (النهايات). لقد تماهت نهاية الرجل مع فكرة ومشروعه ، لدى كثيرين . فما دامت النهاية عنيفة، ملحمية، صادم فيها الرجل المفكر (سلميًا)، النظام القائم بمؤسساته وفلسفته الفكرية .. فلابد أن تكون العلاقة (تصادمية). إن سيد لم يكن داعية عنف. لم يشكل تنظيمًا، ولم يحمل سلاحًا، لكن الذين أسرتهم نهايته الأسطورية، جعلوا من لغته القطعية الواضحة، وهو يعرض مشروعه الحضاري، لغة تصادمية، اقصائية .
طوّر سيد مفاهيم كثيرة، نشأ على أساس من تفسيرها ـ حسب فهم من فسروها ـ تيارات فكرية كثيرة، تفاوتت في قربها وبعدها ، عن المصطلح الأصلي الذي قدّمه سيّد . بل إن خصوم تلك التيارات ، من الأنظمة والتيارات العلمانية، كثيرًا ما جعلوا تأويلاتهم وتفسيراتهم لمصطلحات، قدمها مفكرون من أمثال سيد قطب ، والمودودي، ومالك بن نبي، مبررا لضرب تلك التيارات، بعد عزلها عن الجماهير، وتشويه صورتها بتلك التفسيرات. فمثلاً .. لا يوجد تنظيم ، أو تيار اسمه (التكفير والهجرة) . إنما هي (لعبة إعلامية) اختلقتها الأجهزة الأمنية ، لتهيئة الرأي العام لحملة التصفيات التي لحقت بتلك المجموعة.
في سعيه لإقامة مشروع حضاري متميز، وضع سيد منظومة متصلة من الأفكار ، اعتمدها ركائز للبناء الفكري الذي ينبثق عنه المشروع. يبدأ سيد بمصطلح (الحاكمية) الذي يقوم على تحرير الإنسان من أي إرادة بشرية، وربطه بالخالق مباشرة، الذي له وحده ـ سبحانه ـ حق الحكم والتشريع. ثم هناك (الجاهلية) التي تقف على النقيض من الحاكمية، حيث التحاكم إلى تشريعات بشرية ، واستبعاد الشريعة الإلهية ، من الفصل في شؤون الناس كافة .. السياسية والاقتصادية والاجتماعية . يتحدث سيد كذلك، عن المفاصلة والعزلة الشعورية، وهي مصطلحات أسيء فهمها عن قصد، وعن غير قصد أحيانًا. اعتمد مفهوم المفاصلة عند سيّد ، على عدم تمييع الحدود والفواصل ، بين ما هو حق وما هو باطل، وإشاعة حالة من (الهلامية) ، التي لا يستطيع الفرد خلالها ، أن يمسك شيئًا محسوسًا بيديه، فيقول عنه، وهو يبصره بعين عقله : هذا حق ... أو هذا باطل.
إن (ظرف الزمان) ، لا يمكن أن يغير جوهر الأشياء وحقيقتها. (المفاصلة) عند سيد لم تكن القطيعة مع المجتمعات، أو من يمثلها من المؤسسات السياسية والفكرية، لكنها كانت في حقيقتها رفض (المنطقه الرمادية)، التي يراد فيها تمييع الفوارق بين (بياض) الحق، و(سواد) الباطل. يرى سيد أن النصوص التي تحمل دلالات قطعية، ويقوم عليها تنظيم حياة الناس (شعوبًا وأممًا)، لا مجال فيها لأنصاف الحلول. لأنك لا تستطيع أن تقيم مجتمعًا (مختلفًا)، عن القائم المنحرف ، الذي يحمل بذور فنائه داخله، من خلال حلول تلفيقية . إن المفاصلة، وليست القطيعة، مطلوبة هنا، بين ما هو حق، وما هو باطل، بين الأبيض والأسود. هل حمل مصطلح (الجاهلية)، والمجتمع الجاهلي، الذي تردد في كتابات سيد ، معنى التكفير ، لأفراد المجتمع ..؟ سيد لم يقل بهذا، لكن الذين قرؤوا سيد بطريقة خاطئة ، ظنوا ذلك . مثقفوا السلطة (وعلماؤها) ، الذين تم توظيفهم لإصدار فتاوى و قراءات ، تنطوي على أحكام مسبقة ، لكل الأفكار والرؤي ، التي لا تتفق والتفسيرات الرسمية ، هيأوا الأرضية لعمليات اغتيال فكري، واضطهاد ، لكل من قرأ سيد ، فأخذته روعة الأسلوب ووضوح الغاية واستقامة السبيل .. ثم تلبسته حالة من حماس . الذين حُسبُوا على فكر سيد، ومالت بهم الطريق، فتورطوا في قضايا تكفير للمجتمعات أو للأنظمة، لم يقرؤوا سيد، وإنما قرؤوا (شروحات) بعض المتطرفين ، ورؤية مثقفي السلطة وفهمهم لمنظومته الفكرية ، وتقارير موظفي الاستخبارات .. عن فكر الرجل . إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال لأبي ذر رضي الله عنه، عندما نادى بلالا رضي الله عنهم جميعا.. قائلاً ..يا بن السوداء : « يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية » . لم يقل أحد إن الرسول عليه الصلاة والسلام (وصف) أبا ذر بالكفر . حينما قال له ذلك ، ولم يقل أحد بعد ذلك ، إن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ، بخصلة من خصال الجاهلية ، أنه ينطوي ضمنًا ، على أمر من أمور الكفر، وبالتالي كان على أبي ذر أن يعلن توبته ويجدد إسلامه (!!) .
ما هي العزلة التي أرادها سيد قطب، عندما طرح مفهوم العزلة الشعورية ؟ هل الإحساس بعدم الانسجام ، مع هذا النسق الاجتماعي ، أو ذلك النظام الأخلاقي، واختلافي معه في مسائل جوهرية ، يعني بالضرورة انعزالي عنه ، وعدم تعاملي ، وتفاعلي معه ، مما يعزز لدي قناعات برفضه ، او اقصائه ؟ حينما كنا طلابًا في أمريكا ، كنا نمارس عزلة شعورية، تشعرنا أننا لا ننتمي لذلك المجتمع ، (ثقافيًا و أخلاقيًا). لكننا في الوقت نفسه نتفاعل مع مؤسساته التعليمية والاقتصادية، والسياسية كذلك . كنّا نتمنى في الوقت نفسه ، صلاحه وهداية أفراده ، للحق الذي لدينا . هكذا فهمنا العزلة الشعورية . أما الذين فهموا (العزلة الشعورية).. إن وجدوا، على أنها إنزواء وهجر للمجتمع، وقطيعة مع أفراده ، فهذه مشكلتهم في الفهم، وتعبيرًا عن طبيعة شخصياتهم ، التي لا تمثل بالضرورة إلا نفسها.
لقد ساعدني أنا شخصيًا ، مفهوم العزلة الشعورية، أن أحافظ على كياني متزنًا، وعلى قناعاتي سليمة ، في معظم فترات حياتي. لم يمنعني ذلك ، أن أتفاعل مع البيئات التي وجدت نفسي فيها. إن مفهوم العزلة الشعورية ، بعبارة أخري، هو نفسه .. أن يتمعر وجهك ، لحد من حدود الله ينتهك. وهو نفسه أن تكره أن تعود إلي الكفر، بعد أن هداك الله للإسلام، مثلما تكره أن تلقي في النار. وهو نفسه الولاء لأهل التوحيد، والبراء من أهل الشرك، حتى وأنت تعيش بين ظهرانيهم، وتتعامل معهم، وتأكل من طعامهم. هل المنهج المتشدد لبعض الأفراد المحسوبين على الحركة الإسلامية، هو بسبب تأثرهم بمنهج سيد قطب ؟ أعتقد لا. هناك كثير ممن يسمون متشددين يكفرون سيد ،رحمه الله . هناك كثيرون غيرهم كذلك ، لا يعرفون سيد قطب، ولم يقرؤوا له حرفًا. إن سيد مثقف نخبة، وليس كاتب عامة.
قليلون هم الذين يقرؤون لسيد ، من شباب الحركة الإسلامية . قليل ايضا ،من أولئك القليل من يملك الجلد على قراءته بتأن وشمولية. إن سيد عميق فيما يطرح ويناقش. لكن لغته الراقية الشفافة وأسلوبه الأدبي الرشيق ،جعل البعض يظن أنه قادر على فهمه، واستبطان معانيه. كما أن (الادّعاء) ، بالاطلاع على فكر سيد ، يضفي على صاحبه (هالة) من الثقافة والعمق والدراية ، نظرًا لخطورة الأفكار التي طرحها سيد قطب، والقيمة الفكرية العالية لها. حالة العداء بين بعض الحركات الإسلامية وبعض الأنظمة، من المسئول عنها ؟ إن هناك حركات إسلامية ، وصلت في استجدائها لرضى السلطة وعطفها، حدًا جعلها تتنازل عن ثوابت قطعية ، ومع ذلك لا تفتأ تتعرض للتصفيات من كل نوع. من المسئول عن العنف في بعض بلدان المسلمين، الذي ينسب بعضه إلى إسلاميين ؟ هل هو ممارسات الأنظمة وأجهزتها الأمنية ، أم البناء الفكري للحركات الإسلامية ؟ في كل الأحوال لا علاقة لسيد قطب بما يجري، وفي كل الأحوال ، الممارسات الرسمية لها دور ، وضيق هامش الحرية ، وانعدام الحوار له دور، وشذوذ بعض الشباب المتحمس، في أفكاره وطروحاته له دور كذلك .

 

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م