القدس بين الوعد الحق .. والوعد المفترى

البداية

الجزء الأول من المحاضرة :

الحمد للّه الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين،

وبعد : فإن القضية التي سنتناولها بالحديث في هذه الليلة ليست بعيدة عن واقعنا اليومي فنحن في كل يوم وساعة وفي كل وسيلة إعلام أو مجلس نسمع أو نتحدث عن هذا الحدث الكبير الذي يسمونه (( مشروع السلام بين العرب واليهود ))، ولا شك أن ما يحدث في مدريد هذه الأيام لهو حدث كبير جدًّا بكل المعايير الدينية والنفسية والتاريخية، ولا أدل على ذلك من اهتمام وسائل الإعلام الغربية به تفسيرا وتحليلاً، حتى أن الغرب تناسى مشاكله الداخلية وقضاياه الكبرى، واشتغل قادته ومفكروه وصحافيوه وأفراد شعبه كله بهذه القضية، وملاحقة هذا الحدث لحظة بلحظة!! .. فما السر في هذا أيها الإخوة؟ أهو مجرد أن نزاعًا إقليميًا يراد الصلح بين طرفيه؟

لا إن ما تم في مدريد يفوق ذلك بمراحل كثيرة .. إنه معلم تاريخي كبير يراد به إحداث انعطاف هائل في صراع مزمن بين عقيدتين وحضارتين وتاريخين متناقضين!

وها هي ذي الجذور : بين وعدين : إن مدريد في الحقيقة هي محطة لقطار طويل انطلق منذ خمسة آلاف سنة، وسيستمر إلى أن تقوم الساعة، ومدريد ومن مجدها واشنطن وموسكو . . إلخ محطات عابرة على هذا الطريق الطويل .. وهو طريق الوعد الذي وعد الله سبحانه وتعالى به نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام، ووعد به صالح ذريته من بعده .. وتلتقي عند هذا الوعد كل الأديان الثلاثة المعروفة في العالم

المسلمون عندهم في هذا الوعد دعوى ثابتة من كتاب الله وسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم كما سنبين

واليهود والنصارى عندهم فهمهم لهذا الوعد الذي افتروه على الله سبحانه وتعالى.

ومن ثم فإن الصراع في أصوله ليس بين قوتين، أو بين عنصرين، وإنما هو صراع بين وعدين، بين الوعد الحق والوعد المفترى .. وبالتالي فهو صراع بين عقيدتين، عقيدة التوحيد التي جاء بها نبي اللّه إبراهيم وجددها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وسيجددها آخر الزمان سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، وبين دعوة الشرك والخرافة والدجل التي أسسها الرهبان والأحبار فيما كتبوه من عند أنفسهم وقالوا هذا من عند الله، وما هو من عند الله، ابتداءًا بحاخامات اليهود ومرورًا ببولس (شاؤول )، ثم البابوات الضالين المضلين وانتهاء بهرتزل ومن كان معه، ثم ينتهي الأمر إلى النهاية المؤكدة في آخر الزمان بظهور مسيحهم الدجال .. وعندما يلتقي المسيحان المسيح ابن مريم عليه السلام والمسيخ الدجال ويذوب الدجال كما يذوب الملح في الماء لولا أن المسيح يقتله ( ثبت ذلك في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو والنواس بن سمعان وفي مسند الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله ومجمع بن جارية وانظر تفصيل نزول عيسى عليه السلام والحكمة في ذلك والرد على منكريه في كتاب (( أشراط الساعة )) للأخ الشيخ يوسف بن عبد الله الوابل ). عندها تنتهي هذه المعركة الطويلة بين هذين الوعدين .. أي بين الأمتين اللتين تؤمنان بهما، أمة الإسلام من جهة واليهود والنصارى من جهة أخرى ( وهكذا فإن ما يسميه الغرب جبل الثلج بين العرب واليهود لن يذوب الآن في مدريد بل في آخر الزمان على أرض المعركة ).

هذه هي القضية، ولذلك فإن ما يجري في مدريد ليس للصلح والسلام، وإنما هو تأييد وإيمان بالوعد المفترى، وتكذيب وكفر بالوعد الحق، وهذا هو جوهر القضية وأساسها، ولا يشغلنا بعد ذلك الحديث في تفصيلات الوقائع والأحداث. خمسة آلاف سنة تعلمون أن الله سبحانه وتعالى قد اختار بلاد الشام { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) } . وأسكن فيها إبراهيم الخليل عليه السلام، وهنالك بدأ هذا الوعد الذي يرجع إلى خمسة آلاف سنة تقريبًا، ومن هناك بدأت القضية والمعركة؛ أي منذ إبراهيم عليه السلام الذي اختاره الله وجعله إمامًا للناس، ومن ثم أمره أن يأتي إلى هذه الأرض المباركة الطيبة، وأن يجدد بناء البيت العتيق، عند هذه النقطة بدأ الخلاف والمعركة بين أتباع هذه الأديان الثلاثة التي أشرنا إليها.

مستند الوعد المفترى : وسأقرأ عليكم نص التوراة التي يستند إليها اليهود في هذا الوعد المفترى، وأما الوعد الحق الذي وعد الله سبحانه وتعالى به أولياءه فمعروف لدى الجميع وسنعرض له في الأخير .. ولكنا نريد البدء بالمستند الأساسي لليهود، في دعواهم، الذي يبنى الغرب موقفه من القضية عليه.

في سفر التكوين وهو أول أسفار التوراة تبدأ القصة العجيبة في عهد نوح عليه السلام، وهي المفتاح لفهم ما سيجري من وعد لإبراهيم عليه السلام، تقول التوراة المحرفة : (( وابتدأ نوح يكون فلاحًا، وغرس كرمًا، وشرب من الخمر، وسكر، وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما .. فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير فقال : ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخويه. وقال : مبارك الرب إله سام، وقال : ليكن كنعان عبدًا لهم يفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم )) اهـ. انظروا هذا النص الذي تقشعر منه أجساد المؤمنين بما فيه من سوء الأدب والافتراء على أنبياء الله، إن من أول ما يقرأ الإنسان في التوراة يقرأ هذا النص .. ومن هو كنعان الذي وردت عليه اللعنة وأكدت عبوديته ثلاثا؟! هو جد العرب وسلالتهم قبل إسماعيل عليه السلام. هذا النص هو مفتاح الدراسة في عدد هائل من المدارس الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد هذه المدارس لا يقل عن عشرين ألف مدرسة، يتلقى الدراسة بها الملايين من التلاميذ كما سنبين إن شاء اللّه، يفتتحون دراساتهم بهذا الكلام وتتفتح مداركهم عليه ( ويا عجبا لهذا المفتري على الله هذا النص وواضعه في التوراة! ألم يسأل نفسه : هب أن حام بن نوح أطغى من فرعون وأكفر فما ذنب كنعان؟ وهب أن سام بن نوح خير خلق الله ألم يجد ما يكافئه به إلا بأن يختص اليهود من بين ذريته بهذه الغنيمة المهداة "عبودية كنعان " ؟! ).

أرض كنعان : ثم بعد ذلك تأتي أوصاف في عدة إصحاحات من هذا السفر تصف أرض كنعان، فتقول التوراة المحرفة في الإصحاح العاشر : " كانت تخوم الكنعاني من صيدون (صيدا اليوم ) حينما تجيء نحو الجرار إلى غزة وحينما تجيء نحو السدوم وعمورة إلى لاشع" هذه حدودها من الشرق إلى الغرب ولذلك فإنهم يستسيغون التنازل عن غزة دون هضبة الجولان. ثم يقول : " قال الرب لإبرام ( في التوراة أن اسمه عليه السلام كان إبرام ، ثم غيره الرب فجعله إبراهيم ) اذهب من أرضك، ومن عشيرتك، ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض، واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيمى إلى بلوطة مورة، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض وظهر الرب لإبرام وقال : لنسلك أعطي هذه الأرض الإصحاح .. الإصحاح 12.

ملك الختان : وقال في الإصحاح السابع عشر: (أقيم عهدي بيني وبينك وبين نفسك من بعدك في أجيالهم عهدًا أبديًا؛ لأكون إلهًا لك و لنسلك من بعدك وأعطيِ لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكًا أبديًا). ومن الغريب أنه في السفر نفسه يحدد أن الختان هو علامة من يرثون الأرض ، وهذا يذكرنا بالحديث في صحيح البخاري حديث هرقل الذي قال فيه : " إنني رأيت في المنام أن ملك الختان قد ظهر". والنصارى لا يختتنون، قيل له لا يختتن إلا اليهود فإن شئت تأمر فتقضي على كل من في مملكتك من اليهود، ولما جاءوا له بأبي سفيان أيقن بالتأويل الصحيح للرؤيا بعدما سأله الأسئلة العجيبة في دلائل النبوة وشهد قيصر (هرقل ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الموعود بذلك، ولكنهم يحرفون كل هذه النبوءات والمبشرات ( تفاصيل ذلك في كتاب شيخ الإسلام (الجواب الصحيح ) ج 3 / 299 حتى ص 19 من ج (4) )

لك ولنسلك : وفي الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة المحرفة الأرض التي هي ملك وحق أبدي فتقول : (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ). ثم بعد ذلك يقول في الإصحاح 27 : " يستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل، كن سيدًا لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين )) هذا ليعقوب، وبعد ذلك يذكرون أن يعقوب نام بين بئر سبع وحران في أرض فلسطين فرأى الله فقال له : ( أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك، ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبًا، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع لقبائل الأرض ) الإصحاح 28. وأقل الأمم في الدنيا الآن اليهود، ومع هذا أكثر اليهود في العالم الآن ليسوا من بني يعقوب، وإنما من يهود العرب والأوروبيين وغيرهم، فإذن كم يبقى من اليهود الذين من ذرية يعقوب عليه السلام ؟! فالواقع يشهد أن هذه الوعود ليست لبني إسرائيل وأنهم يكذبون ويفترون على الله حين يجعلونها فيهم وإنما هي في بني إسماعيل ( هناك خلاف مشهور هل العرب اليمنية من ذرية إسماعيل أم ليسوا كذلك؟ ومع أن كثيرًا من المحققين يرجحون أنهم من ذريته نقول : على القول الآخر فإن ما بينهم وبين عرب مضر من الرحم والصلة أقرب قطعا مما بين يهود الفلاشا الزنوج ويهود شرق أروبا القوقازيين الذين يزعم الصهاينة اليهود والإنجيليون أنهم وسائر اليهود من ذرية إسحق. وهو باطل مركب، ثم إن العرب كلهم تبع لقريش الذين اصطفى الله منهم رسوله صلى الله عليه وسلم. وانظر ص 70. فما الذي جعلهم ينقلبون هذا الانقلاب الهائل ويصبحون كبر الساعين لتحقيق الوعد اليهودي؟ ).

لماذا النصارى؟ وهنا لابد من سؤال ، إذا كان هذا هو الموضوع وهو إيمان اليهود بهذه الوعود التي قالوا أنها وردت في كتابهم المحرف، فلليهود أن يؤمنوا بذلك باعتبارهم يهودًا، ولكن ما علاقة النصارى بذلك؟ ولماذا نجد النصارى اليوم يقفون مع اليهود صفًا واحدًا؟ ويسعون جاهدين لتحقيق الوعد المفترى؟ أستطيع أن أجيبكم بيسر فأقول : لقد استغل اليهود الكتاب، الذي يؤمن به اليهود والنصارى معًا وهو القسم الأول من (الكتاب المقدس ) الذي يتكون من قسمين يسمون كلا منهما عهدًا، فالأول هو العهد القديم وهو التوراة، والآخر هو العهد الجديد وهو الأناجيل والرسائل. والتوراة تشتمل على هذه النصوص فأي نصراني يبدأ بقراءة كتابه المقدس فهو يقرأها أول ما يقرأ فلا غرابة أَن يعتقد مضمونها كاليهود.

ولكن في إمكانكم أن تقولوا - وأنتم على صواب - : أليس النصارى في تاريخهم كله يقرأون التوراة ويعلمون بهذا الوعد ومع ذلك يضطهدون اليهود أشد الاضطهاد إلى مطلع العصر الحديث؟ وأقول لكم إن الأمر ليس كما تقولون فقط، بل إن المذهل والمحير أن يكون الحامل لراية التبشير لهذا الوعد الرافع عقيرة إعلامه المتطور بضرورة ذلك هم النصارى لا سيما الأصوليون منهم ولا سيما في أمريكا، ولهذا فاسمحوا لي أن آتي على هذه القضية الغريبة والخطيرة من جذورها.

الملل والمسيح المنتظر : تتفق الأديان الثلاثة على أن المعركة الكبرى والأخيرة التي ينتصر فيها دينها ويتحقق لها وعدها ويدمر فيها عدوها لن تكون قيادتها من النوع المألوف لدى الناس، بل سيكون حامل لوائها منتظرا موعودًا به مؤيدَا من عند اللّه يسمى (المسيح ). يقول ابن القيم رحمه اللّه : " ومن تلاعبه - يعني الشيطان - بهم - يعني اليهود - أنهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي إذا حَرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم، وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به. وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال، فهم أكثر أتباعه وإلا فمسيح الهدى عيسى ابن مريم عليه السلام يقتلهم ولا يبقى منهم أحدًا. والأمم الثلاث تنتظر منتظرًا يخرج في آخر الزمان؛ فإنهم وعدوا به في كل ملة والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى ابن مريم من السماء؛ لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل أعداءه من اليهود، وعباده من النصارى " ( إغاثة اللهفان 2/ 338 ). وقد ذكر مثله شيخ الإسلام في مواضع من الجواب الصريح. ويقول بن جوريون أول رئيس حكومة يهودية : " تستمد الصهيونية وجودها وحيويتها من مصدرين : مصدر عميق عاطفي دائم، وهو مستقل عن الزمان والمكان، وهو قديم قدم الشعب اليهودي ذاته، وهذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة، يرجع الوعد إلى قصة اليهودي الأول { ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفًا مسلما } الذي أبلغته السماء أن : سأعطيك ولذريتك من بعدك جميع أراضى بني كنعان ملكًا خالدًا لك " هذا الوعد بوراثة الأراضي رأى فيه الشعب اليهودي جزءًا من ميثاق دائم تعاهدوا مع إلههم على تنفيذه وتحقيقه، والإيمان بظهور المسيح لإعادة المملكة أصبح مصدرًا أساسيًا في الدين اليهودي يردده الفرد في صلواته اليومية؛ إذ يقول بخشوع وابتهال : أؤمن إيمانًا مطلقًا بقدوم المسيح، وسأبقى - حتى لو تأخر - أنتظره كل يوم.

أما المصدر الثاني فقد كان مصدر تجديد وعمل، وهو ثمرة الفكر السياسي العملي الناشئ عن ظروف الزمان والمكان، والمنبعث من التطورات والثورات التي شهدتها شعوب أوروبة في القرن التاسع عشر وما خلفته هذه الأحداث الكبيرة من آثار عميقة في الحياة اليهودية ( الخلفية التوراتية ص 42 ).

مسيحان : وعلى هذا الأساس فإن معركة المستقبل ستكون بين مسيحين أحدهما المسيح الدجال الذي يؤمن به اليهود ويسمونه ((ملك السلام ))( يدأب الإعلام الصليبي واليهودي على تسمية المرحلة المقبلة من تاريخ المنطقة : "مرحلة السلام "! وهذا هو ملكها عند الصهاينة !! والإنجيليون يوافقون على الاسم دون المسمى !! )، والذي يهيئون لخروجه ولكنهم لا يسمونه الدجال. والآخر هو المسيح ابن مريم عليه السلام الذي يؤمن بنزوله وعودته المسلمون والنصارى. ويتفق اليهود والنصارى على أن المسيح المنتظر سيكون من بني إسرائيل، وسينزل بين بنى إسرائيل وسيكونون جنده وأعوانه، وستكون قاعدة ملكه هي القدس (أورشليم ) كما تتفق الطائفتان على أن تاريخ نزوله سيوافق رقمًا ألفيًا (نسبة إلى الألف ) ومستندهم في ذلك بعض التأويلات لما جاء في رؤيا يوحنا اللاهوتي ومنامات الرهبان وتكهنات الكهان أمثال (أنوسترا دامس ) الذي حولت السينما الأمريكية توقعاته المستقبلية إلى فيلم لاقى رواجَا كبيرًا في العقد الماضي. ثم برز الحديث عنها أيام حرب الخليج بين الغرب والعراق.

والآن مع اقتراب نهاية الألف سنة الثانية من ميلاد المسيح عليه السلام واعتقاد قرب نزوله كما يؤمن الأصوليون الإنجيليون يلتقي الحلمان القديمان اللذان يتكون منهما الوعد المفترى : حلم النصارى بعودة المسيح ونزوله إلى الأرض ليقتل اليهود والمسلمين وكل من لا يدين بدينهم في معركة هرمجدون (الآتي تفصيل الحديث عنها)، وحلم اليهود بخروج الملك من نسل داود الذي يقتل النصارى والمسلمين ويخضع الناس أجمعين لدولة إسرائيل وهو المسيح الدجال، ومن ها هنا اتفق اليهود والنصارى على فكرة أن قيام دولة إسرائيل وتجمع بنى إسرائيل في فلسطين هو تمهيد لنزول المسيح، كما يفسره كل منهما!! وبنظرة منطقية عابرة يظهر جليَا أن هذا الإلتقاء الظاهري يحمل تناقضَا كبيرا - يجعل من المفترض عقليًا أن يكون قيام دولة إسرائيل واقتراب نهاية الألف الثانية - مسوغًا لحرب لا هوادة فيها بين الطائفتين (اليهود والنصارى) تبعًا للتناقض الكبير والحرب المتوقعة بين المسيحين !! (الدجال وابن مريم ) وأن يكون النصارى في هذه المرحلة أكثر تقربًا إلى المسلمين وتعاونًا معهم تبعًا لاتفاق الطائفتين في الإيمان بمسيح الهدى عليه السلام وعداوتهما لمسيح اليهود ولكن ها هنا مربط الفرس وبيت القصيد ها هنا يظهر المكر اليهودي الخبيث ، ويتجلى معه الحقد النصراني الدفين على المسلمين. أما المكر اليهودي فيتجلى في تلك الحيلة الغريبة التي ابتدعها حاخامات صهيون وأقرهم عليها بلا تردد قادة الإنجيليين الألفيين (ولا غرابة فبعضهم يهودي مندس ) وهي تأجيل الخوض في التفصيل والاهتمام بالمبدأ الذي هو نزول المسيح، وذلك بالتعاون سويًا والتخطيط اشتراكًا لتهيئة نزوله، فإذا نزل فسنرى هل يؤمن به اليهود أو يكون هو الذي يؤمن به - الآن - اليهود؟ فلتظل هذه المسالة معلقة تمامًا لأن الخوض فيها ليس من مصلحة الطائفتين معًا!! وليعملا سواء للقضاء على العدو المشترك " المسلمين!! واتفق زعماء الملتين على نسج قناع يستر وجه المؤامرة عن أعين المغفلين من النصارى والمستغفلين من المسلمين! وأما الحقد الصليبي فيتجلى في انسياق العالم الغربي النصراني وراء اليهود حتى في هذه القضية الكبرى التي يقتضي الدين والعقل والمصلحة أن يتفهموا موقف المسلمين منها على الأقل!! ونخص بالذكر الكاثوليك أتباع البابا الذين لا يؤمنون بحرفية التوراة - ولكنه الحسد والبغي الذي يكنه أهل الكتاب للمسلمين كما أخبر الله في كتابه المبين ( أما البروتستانت فسيأتي تفصيل الحديث عنهم ، وأما الكاثوليك فقد عقدوا المجمع المسكوني الشهير سنة 1963 لتبرئة اليهود من دم المسيح وتغيير صلاتهم التي صلوها عشرين قرنًا لتخلو من عبارات سب اليهود ولعنهم ، وهذا مما يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها ). ( أنظر بابا روما وصهينة النصرانية ) وإن يكن شيء أعجب من انسياق النصارى وراء اليهود فهو انسياق المسلمين وراء الطائفتين، كما هو حال المشاركين في مدريد والموافقين على مشروع السلام المزعوم، بل المنساقين وراءهم منذ وعود الحلفاء في الحرب العالمية الأولى!

المقدمة

الجزء الثاني

حقوق النشر مفتوحة 1421 هـ 2000 م